الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

مسجد الرشيد بكندا.. شاهد على التسامح والتعايش بين الأديان

مسجد الرشيد بكندا.. شاهد على التسامح والتعايش بين الأديان
22 ابريل 2021 00:25

شعبان بلال (القاهرة)

  اجتذبت مدينة إدمونتون بمقاطعة ألبرتا في كندا المهاجرين من جنسيات مختلفة، ولكن كان عددهم صغيراً ولا يمتلكون مسجداً أو مقراً لإقامة شعائرهم، واستمر الحال هكذا حتى العام 1931 عندما أجرت وزارة الإحصاء الكندية مسحاً لأعداد المسلمين، وثبت أنهم 645 شخصاً.
في ذلك الوقت لم يكن هناك داع لإنشاء أي مساجد، خاصة أن تلك الفترة شهدت ركوداً اقتصادياً بالبلاد، وحال المهاجرين لا يسمح لهم ببناء المسجد بالجهود الذاتية، أو أن يتبرع أحدهم ويشتري الأرض اللازمة من المقاطعة ويتكفل بباقي أعمال البناء.

حملة تبرعات 
ظلت الأمهات المسلمات المهاجرات يحاولن الحفاظ على دين أزواجهن وأبنائهن، فتعليم الصلاة كان من بين الأولويات إلى جانب تعلم لغة البلاد، ولكن عدم وجود مسجد شكل عائقاً لا يستهان به أمامهن، حتى قررت السيدة اللبنانية حلوة حمدون التدخل وإنقاذ الموقف.
طلبت حمدون لقاء عمدة مدينة إدمونتون، حينها جون فراي، وطلبت منه بناء مسجد كي يؤدي المسلمون شعائرهم الدينية مثل المسيحيين واليهود في المدينة، ولكنه رجع إلى خزينة المدينة فوجدها فارغة جراء الكساد الاقتصادي، ولا تتحمل إنفاق الأموال لبناء مسجد أو أي مكان عبادة آخر لأي من الطوائف الدينية الأخرى.
ولم تيأس حمدون، وظلت تقنع العمدة حتى وافق على تخصيص أرض للمسجد مجاناً، ولكنه لن يتحمل تكاليف البناء وطلب منها توفير 5000 دولار حتى يضمن أن تستخدم الأرض في بناء المسجد، وأن المسلمين قادرون على استكمال البناء بأنفسهم.
نظرت حمدون إلى حال المسلمين آنذاك، فوجدتهم يعملون في المتاجر الصغيرة، وكعمال للمصانع، ولا يمكنهم توفير هذا المبلغ الضخم، فنظمت أول حملة تبرعات، حيث ذهبت إلى المتاجر الكبرى في شارع جاسبر أفينيو، وطلبت منهم التبرع لبناء المسجد.
أخبرت حلوة المتاجر بأن الأموال التي تجمعها هي لبناء مسجد يقيم فيه المسلمون الصلاة ولتعليم أبنائهم الشعائر، ورغم أن أصحاب المتاجر كانوا من المسيحيين واليهود، فإنهم لم يترددوا في التبرع بسخاء لبناء المسجد لجيرانهم المسلمين، وبذلك كان مسجد الرشيد شاهداً على التسامح والتعايش الذي نشأ في كنفه أبناء المسلمين في كندا.
ونجحت حملة التبرعات في جمع أكثر من 5700 دولار، وهو مبلغ ضخم للغاية في ثلاثينيات القرن الماضي، وبذلك حصل المسلمون على الأرض والمال اللازم للبناء، ولكن من سيبني المسجد على الطراز الحديث، وأغلب المقاولين في المدينة متخصصون في بناء الكنائس فقط. 

أزمة البناء والتصميم
بحث المسلمون عن شخص يمكنهم الوثوق به لبناء المسجد الذي سيكون تاريخياً وشاهداً على تفانيهم وإخلاصهم ورغبتهم في الحفاظ على دينهم في تلك البقعة البعيدة.
ووقع الاختيار على المقاول مايك دريورس، المتخصص في بناء الكنائس، وشرحوا له طريقة بناء المساجد وزوايا البناء المختلفة، وبدأ بناء أول مسجد بعد تاريخ طويل من بناء الكنائس.
وصمم الأوكراني المسجد بطول 15 متراً، وعرض 10 أمتار، واختار الحجر الأحمر ليكون ركيزة البناء، ورسم قاعة للصلاة مع قبو كبير وحجرتين للوضوء، ونوافذ مقوسة، وحرص على بناء منارتين تشبهان البصلة، وفوق كل منارة هلال.
بعد تمام البناء، ذهب المسلمون لتفقد مسجدهم الذي طالما تمنوه وأصبح حقيقة، فشعروا وكأنهم ليسوا داخل مسجد، ولكن المنارة والهلال والقبة من الخارج وضحت كونه أول مسجد للمسلمين في كندا، وثاني مسجد في أميركا الشمالية.
حضر حفل الافتتاح كل من أسهم في بنائه والذين لم يكونوا من المسلمين وحدهم، وإنما من كل الديانات والجاليات التي تبرعت لبناء هذا الصرح الديني، وهذا ما حرص على ذكره عمدة المدينة خلال كلمته الافتتاح العام 1938.
واختار المسلمون عبد الله يوسف علي ليكون رئيس حفل الافتتاح، فقد عمل طويلاً بمجال ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية، وحضر إلى جانبه الكثير من الشخصيات العربية وغير العربية من المسلمين الجدد والقدامى. 

رد الجميل
حرصت إدارة المسجد منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وحتى يومنا هذا، على رد الجميل لسكان مدينة إدمونتون من غير المسلمين على مساعدتهم في بناء المسجد، فعرف عن مسجد الرشيد أنه مقصد الجميع في ليالي الشتاء الباردة، ويفتح أبوابه للجميع ليتلقوا الفطائر والمشروبات الساخنة التي تصنع في المطبخ الملحق بالمسجد، ويمكن لأي شخص من أي معتقد الاحتماء به من البرد القارس، وتذوق أشهى المأكولات العربية مثل الكبة وكور اللحم التي يقدمها عمال المسجد لمن يحتاجها في أي وقت طيلة العام، وليس في ليالي الشتاء فقط.
ويقوم المسجد بدوره الاجتماعي إلى جانب الدور الديني، فيستضيف العائلات في نهاية الأسبوع للتعارف، وترتيب الزيجات بين أبناء المسلمين، وخصص الجزء السفلي من المسجد لهذا الغرض.

توسعات
بعد ثماني سنوات من إقامة أول صلاة بمسجد الرشيد، رأى المسلمون نقله بنفس الاسم إلى مكان أكبر، فلم يعد المسجد الصغير يتسع لأعدادهم الكبيرة، التي تضاعفت في وقت قصير، ولهذا تم نقل المسجد في العام 1946 إلى قلب مدينة إدمونتون.
وتكرر ذات الأمر العام 1982 عندما بلغ عدد المسلمين في المدينة نحو 20 ألف نسمة، فاحتاجوا إلى مركز إسلامي كبير وليس مجرد مسجد ليلبي احتياجاتهم، ويوثق عقود الزفاف، ويشيع منه الموتى إلى مثواهم الأخير، فتم نقله مرة أخرى ولكن بنفس الاسم.
وفي العام 1988 قرر مجلس المدينة الكندية هدم المسجد القديم، لأنه لم يعد مقصداً للمسلمين، ولا تقام فيه الصلوات، ولكن بذل عدد كبير من أبناء الجالية الإسلامية بالمدينة وفي كل أنحاء كندا جهوداً مع العمدة آنذاك، لعدم هدم المسجد لأنه بمثابة مكان تراثي يجب الحفاظ عليه، ولأنه جزء من تاريخ المسلمين المهاجرين.
وبالفعل وافقت المدينة على إعادة ترميم المسجد القديم، وافتتح العام 1992 لأول مرة كمزار تاريخي، ضمن متحف التاريخ المعاصر في فورت إدمونتون بارك، ويستقبل الكثير من أبناء المسلمين في كندا، وغيرهم من غير المسلمين للتعرف على الثقافة الإسلامية والقصة الملهمة لبناء المسجد.
يصنف مسجد الرشيد الآن كمركز إسلامي متكامل بعد انتقاله لموقعه الأخير، وتوسعه بشكل كبير ليقدم الدعم للجاليات العربية والمسلمة ويحاول دمجهم في المجتمع الكندي بأسرع وقت، ويقدم دورات لحفظ القرآن الكريم، ودراسة الفقه والحديث والسنة.
وأهم ما يقدمه المسجد من الخدمات، هو تحمله نفقات نقل جثامين المتوفين، بعد تغسليهم وتكفينهم والصلاة عليهم، وعلى الرغم من كونها خدمات قد تكلف المسلمين هناك آلاف الدولارات، فإن المسجد يتولى الأمر عنهم، ويدعمهم في كافة الأمور المادية والدينية والاجتماعية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©