الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«ووكينج».. أقدم مساجد بريطانيا

«ووكينج».. أقدم مساجد بريطانيا
24 ابريل 2021 01:00

دينا محمود (لندن)

على بعد نحو 50 كيلو متراً إلى الجنوب الغربي من العاصمة البريطانية لندن؛ تحديداً في مقاطعة صَرِي، يقع أقدم مبنى شُيّد ليكون مسجداً في المملكة المتحدة، وهو الأمر الذي يُميزه عن ذلك المبنى السكني القابع في مدينة ليفربول الساحلية، والذي يُوصف بأنه أول مكان أُقام المسلمون فيه الصلاة في البلاد. 
فبخلاف ما حدث في ليفربول من تحويل عقار عادي إلى مسجد على يد المحامي البريطاني وليام هنري كويليام، الذي أطلق على نفسه اسم عبد الله، بعد اعتناقه الإسلام عام 1887، كان المسجد الواقع في صَرِي، مُعداً منذ اللحظة الأولى لهذا الغرض.

تمويل البناء
يُعرف هذا المسجد - الذي شُيّد عام 1889 - باسميْ «ووكينج»، منسوباً إلى البلدة التي أُقيم بالقرب منها، و«شاه جهان» نسبة إلى أميرة هندية مسلمة تحمل الاسم نفسه، شاركت في تمويل عمليات البناء، عندما كانت تتولى حكم إقليم بهوبا في بلادها، خلال القرن التاسع عشر.
ووقف وراء مشروع المسجد المستشرق البريطاني الذي وُلِدَ لأسرة يهودية في المجر جوتليب لايتنَر «1840 - 1899»، وأنشأه لكي يتسنى لطلاب معهد «الدراسات الشرقية» في ووكينج أداء شعائرهم الدينية. وكان المعهد، وهو من بنات أفكار لايتنَر نفسه، قد أُسِسَ عام 1881 لتعزيز مكانة الآداب الشرقية، وأُقيم في مبنى كان مخصصاً قبل ذلك، لكلية للتمثيل.

تصميم المسجد
وأُسْنِدَ تصميم مسجد «شاه جهان» أو «ووكينج»، إلى المهندس المعماري الذي كان مغموراً وقتذاك، وليام تشامبرز «1847 - 1924»، الذي استخدم في بنائه مزيجاً من الصخور والأحجار الكلسية، وكذلك الأحجار الرملية شديدة التحمل. كما حرص تشامبرز، على أن يستلهم في تصميمه للمسجد، طرز العمارة العربية وغيرها، وهو ما جعل هذا الصرح يزدان بقبة مهيبة، وعدد من المآذن متفاوتة الطول، بجانب مداخل مقوسة الشكل. ولعل ذلك ما حدا بخبراء الهندسة المعمارية في بريطانيا إلى وصف المسجد في دليل «بيفسنر» لفن العمارة، بأنه مُشيّد على شاكلة «مهيبة للغاية». 
وفي السنوات الأولى له، كان المسجد مقصداً للموظفين الهنود ممن يعملون في حاشية الملكة فيكتوريا، ملكة بريطانيا العظمى في ذلك الوقت، ومن بينهم معلمها الهندي المسلم عبد الكريم، الذي كان يتردد على ذلك المكان، خلال زيارات الملكة لقلعة وندسور الشهيرة.
وقد اعتبر البعض أن مسجد «ووكينج» مَثَلَّ لبعض الوقت، همزة وصل بين إنجلترا الفيكتورية والمستعمرات الخاضعة وقتذاك للسيطرة البريطانية، والتي كانت تضم عدداً كبيراً من المسلمين. 
ومن حيث تصميمه؛ شَكَلَّ المسجد ثمرة للتفاعل بين الطرز المعمارية التي كانت سائدة في «الإمبراطورية التي لم تكن تغرب عنها الشمس» في تلك الحقبة، والعمارة الإسلامية.

عودة الحياة
وقبل أن يغلق ذلك المسجد أبوابه بعد وفاة لايتنَر عام 1899، تردد عليه عدد لا بأس به، من الطلاب والوجهاء والزوار المسلمين لبريطانيا.
لكن فترة الإغلاق لم تستمر طويلاً، فقد عادت الحياة إلى مسجد «ووكينج» بعد 15 عاماً تقريباً، وذلك بعد أن تأسس صندوق خاص به في عام 1912، بفضل وقفية للمساجد في لندن، كانت قد أُسِسَت بدورها قبل ذلك بعامين. 
وفي السنوات التالية، أصبح المسجد مركزاً رئيساً للإسلام في بريطانيا. فخلال الحرب العالمية الأولى «1914 - 1918»، وافقت السلطات في المملكة المتحدة، على طلب بتحويل أرض مجاورة له، إلى مقبرة تُدفن فيها جثث الجنود الهنود المسلمين، الذين لقوا حتفهم في المعارك التي خاضوها تحت لواء الجيش البريطاني.
بعد ذلك، شهد المسجد طباعة إصدارات إسلامية، وترجمات لمعاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية.

مزار
خلال القرن العشرين شَكّلَ مسجد «ووكينج» مزاراً لشخصيات مرموقة، مثل  محمد علي جناح مؤسس دولة باكستان، وأيضاً تونكو عبد الرحمن، أول رئيس وزراء لاتحاد الملايا بين عامي 1955 و1957، قبل أن يصبح الرئيس الأول للحكومة في ماليزيا، بعد استقلالها في العام نفسه. 
وفي النصف الثاني من القرن الماضي، ومع تزايد عدد المساجد في بريطانيا، تراجع دور المسجد الأقدم في البلاد، قبل أن تلحق به أضرار جسيمة في يونيو 2016، جراء الفيضانات التي اجتاحت المناطق السكنية المحيطة به، لكن ذلك لم يحل دون أن يواصل أداء دوره الديني والاجتماعي حتى اليوم.

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©