عدد اليوم
أهلنا «لوليين» كانت مكتبتهم الذهنية والسلوكية والقيمية زاخرة بالأمثال وعامرة بالحكايات والقصص والأقوال، ومن الأمثال التي كانوا يرددونها «اربط صبعك وكلٍّ بينعت لك دوا»، والحقيقة في زمننا أنت لستَ في حاجة لا إلى ربط إصبعك ولا رأسك، عليك فقط أن تجلس القرفصاء أو تتربع وتجعل الهاتف أمامك، ثم تأخذ جولة عبر وسائل التواصل واستمع وشاهد الأطباء من غير شهادات، والمداوين الشعبيين، والطباخين، ومغسلي المواعين، وهم سيقدمون لك نصائح مضروبة «فالصو يعني» ودون أي تعب.
بعضهم سيقدم لك طرقاً ووسائل لتخفيف وزنك في وقت قياسي، فتجعل منك «سمبثيكاً» كما يقولون، تلك النصيحة التي لم نجنِ منها شيئاً سوى ارتفاع أسعار الخضراوات والفواكه وكل ماله صلة بالنباتات والبهارات والعطارة والعصائر ومنتجات الألبان، وسيطلع لك طبيب (نُص كُم) أو صاحب تجربة، ويقول لك، إن كنت تبحث عن الصحة لا «تتريق» ولتكن أولى وجباتك بعد الواحدة ظهراً بصرف النظر عن كونك إنساناً مريضاً وفي حاجة إلى تناول أدويتك الصباحية، أما صحتك فـ «عادي ما بيستوي عليك شي».
إذا كنت من المُعتلّين بالإدمان على وسائل التواصل فلا تتعجب إن ظهر لك أحدهم وقال لك: «هل تريد المحافظة على صحتك؟ إذن «خذ كركم»، ثم تنتقل إلى حساب آخر فيطلع آخر ليقول لك: «لا تأخذ كركم»، وثالث يقول لك: قاطع الخبز؛ لأن كل مصائبك من ورائه، حتى خبزة الرّقاق اللطيفة الخفيفة التي نخبزها في منازلنا ولا تحتوي على أي نوع من الخمائر التي يحذرون منها.
إن حملات النصائح التي تقدمها مجموعات هائلة من البشر عبر التطبيقات المباشرة تشكّل عبئاً على الناس وعلى أذواقهم ونفسياتهم واهتماماتهم، كما أنها تضعهم في حيرة شديدة، مَن يصدّقون، ومَن يكذبون؟ وهل كل تلك الجيوش من المرابطين خلف شاشات هواتفهم، ويبثون من أماكن عامة ومن مشاتل وحدائق ومتنزهات وكازينوهات، متخصصون أو خريجو جامعات معترف بها وتخصصات علمية موثوقة؟ أضف إلى ذلك الأطباء الذين ترك بعضهم تخصصه الطبي وراح يروّج لمنتجات التخسيس وتنظيف البشرة وشفط الكرش.
إن التنبيه لخطورة هذه الإغراءات والدعوات التي يتلقاها بعضنا من خلال الباحثين عن المال أمر مهم، لأنها في حقيقتها قنابل موقوتة لا تصلح لكل إنسان، فهناك المريض وهناك المبتلى بآفات مزمنة، وعليه ألا يقطع علاجه لمجرد أن سمع أحدهم أو إحداهن تقول: تخلص من أدوية الضغط وتناول خيارة أو موزتين في اليوم وستقضي على الضغط، في حين أنها يمكن أن تقضي على المريض نفسه، يا للكارثة..!
