عدد اليوم
متى ما استطعت أن تخلق لك مسافة بين السماء والأرض فافعل، تلك المسافة القابضة على فراغين تحتويك بزخم من الذكريات قد لا يتجدد ذات ليل يتمادى فيها الولع حتى يغدو ناراً في روحك تتقد باحثة عن منفذ للهواء، تروم نحو الآفاق الشاسعة بحثاً عن سعةٍ للتحليق فلا تقبضُ إلا على الأحلام، فانهض بها لتكون أكثر مقدرةً على الطيران.
وإن واتتكَ الفرصة للاقتراب من السماء حد قراءة التفاصيل فاذهب إليها، ففي الشتاء يحلو للبرد ارتداء حلّة الإغراء ذاك الواهبِ المطر، الممتد من الحبِّ إلى الارتقاب، ولمّا أن تبتلَّ روحك، وتصدح بالنشيد خذ إليكَ أحاديث الروح وهمسات الخلايا النابتة في ضلوعك المكتنزة بمواجع لا يعرف أسرارها سوى ليل طويل جداً، وحده صديقكَ الأنيق.
وإذا ما أهدتك الأيام فرصة حقيقية للذهاب قليلاً نحو الماضي القريب، فاختر قِبلتكَ أقرب مكان للأرض، لا يبعدُ عن سماء، خاطِب: النقطة الفاصلة بينهما وتذكر قصائدك القديمة التي سكنتك منذ نعومة الألم، وما تزال غافية في الروح حتى يبزغ قمر وأيُّ قمر، عند الوهج الطالع في صدرِ الليل حاول محاكاة الواقع، تمعّن في أعماقك، لتكون أقرب الأرواح إليك، فأنت وحدكَ تملك سرَّ السكون المنشود.
وإن صفا ذهنك فأطفئ الأنوار المستعارة، واذهب ببصرك نحو القمر ستجده مبتسماً والسماء صافية تشعُّ بالحب كقلب طفلٍ صغير، مُدّ يداً نحوه إنه ينتظر ليتواشج مع اللحظة فيبوح بما لديه ويغنّي، يغزل لك نظرة حانية، غافية على غيمةٍ لفرط شجوها ما برِحت تكتب شعرا، وتنام، وانظرها تخجل حين يعيدها إليك مغسولة بحلم، بك يذهب بعيداً نحو الصرخة الأولى للحياة لتبتسم، فابتسم.
وإن مضت بك صدفة نحو حكاية تألفها فخُذ بيدها، وبك، إنها أنت ذات لحظة كنت ترتع فيها مرِحاً، يافعاً، يانعاً، لا تشغلك سوى ابتسامة تنثرها هنا وفرحة تعيشها هناك، اقتنص الحالة، إنها نادرة الحدوث، واستمع: بإنصات إلى دقّة قلب ونأمة حب، كن مستمعاً مختلفاً، آسراً لا تترك للتفاصيل فرصة الهرب منك كي لا تأخذ ابتسامتك معها، إنها رهانك الأخير للفوز بقلبك، بقصيدتك الأثيرة المكتنزةُ بالكلمات.
إن المعارك مع الذات تحتاج جهداً وصبراً وحُنوّا، قد تُجهدك أو تروحُ بك نحو طرق السعادة أو الحزن، فإن شعرتَ بعد كل ذا، برغبة في البكاء فافعل لتغسل الروح بماءِ الرفقِ الطاهر كي تُحلق واضحاً، صريحاً، صريعاً من نوع فريد خالص النقاء، وابتسم تلك هي الحياة.
