الجمعة 3 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«خض اللبن».. مهنة تسـتعيد ذكريات الجدات

شذى الطنيجي تنقل الموروث (تصوير: إحسان ناجي)
31 مارس 2024 02:51

خولة علي (دبي) 
«خض اللبن»، أو «خض السقا»، مهنة كانت  شائعة بين الأمهات والجدات في المجتمع المحلي قديماً، وهي عملية تتطلب تحريك اللبن بشكل متكرر، حتى يتجزأ دهن اللبن، ويتحول إلى زبدة سائلة وجاهزة للأكل. وهذه المهنة كانت جزءاً من الأنشطة المنزلية التي تمارسها النساء في الماضي، مع توفر المواشي التي يُستخدم حليبها في إنتاج مواد غذائية عدة، في وقت كان المجتمع يفتقر فيه  إلى المواد الغذائية في ظل حياة شحيحة وصعبة، فلم يكن من المرأة في ذلك الوقت، إلا البحث عن وسائل تعينها على الحياة وتسهل الواقع المعيشي. «خض اللبن» من الحرف التي ارتبطت بتربية «الحلال» من أغنام وأبقار وماعز، ولم تكن المرأة الإماراتية تتقاضى على عملها هذا أجراً، بل كانت توزع كل ما توفره على الأهل والجيران والأصدقاء مجاناً، ما يعكس التكافل والتضامن الاجتماعي، حيث كانت السمة الغالبة في المجتمع، هي العطاء من دون مقابل.
3 مراحل
«السقا»، عبارة عن «قربة» مصنوعة من جلد الماعز أو البقر، وتأتي بأحجام مختلفة، فهناك الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، وتُستعمل في خض اللبن. وصناعة «السقا» تمر بـ 3 مراحل، فبعد ذبح الشاة يتم سلخ جلدها بطريقة صحيحة، مع مراعاة عدم خدش الجلد بالسكين، وبعدها يتم إضافة الملح البحري الذي يُسمى بـ«صلافة ملح»، ويكون عندها الجلد ليناً، ويتم دق الجلد بالملح وفرده بهدف إزالة بقايا الشحوم، ويُترك لمدة 3 أيام. ثم يتم غسله ويُستعان بعشبة «الغلقة» التي تنمو في الجبال، ويتم طحنها في «المنحاس»، ويُقلب جلد الدابة بحيث يكون شعر الدابة إلى الخارج، ويتم فركها بـ«الغلقة» حتى يتناثر الشعر الموجود على الجلد. ومجدداً يتم قلب الجلد، ويُدق «القرط» في المنحاس والرشاد، ويصب عليه الماء، وبعدها يوضع في «السقا» وتُسمى هذه المرحلة بـ«الدبغ»، حيث يتماسك الجلد». وبعد يومين يتم تنظيف «السقا» من «القرط»، وتأتي مرحلة «خرز الجلد» بخوص النخيل، وبعدها يتم فرك «السقا» بالملح و«الياس»، وهو نبات عطري، حتى تخرج رائحة الدهون و«القرط»، وبعدها يتم تعليقه ويكون جاهزاً لخض اللبن.

لوحات تراثية
هذه المهنة ظلت تمارس في الكثير من البيوت الإماراتية، بالرغم من تغير أساليب صناعة منتجات الألبان، ولكن الكثيرين ظلوا محافظين على هذه الطريقة التقليدية في صناعتها، مع إضافة المطيبات إلى الألبان والسمن البلدي، ما يميزها عن منتجات الأسواق. وعند مشاهدة اللوحات التراثية بالمهرجانات والمعارض، نلاحظ كل تفاصيل الزمن الماضي، حيث كانت المرأة تظهر في رسومات عدة، وهي تمارس مهنة «خض اللبن» أو «خض السقا»، وهي تدفعه بكلتا يديها، ذهاباً وإياباً في ترقب وانتظار حتى يتحول إلى اللبن الرائب، ومن ثم زبدة. 
وسائل حديثة
مهنة «خض اللبن» كانت تُمارس عند أهل البدو والساحل قديماً، وإن كانت أكثر انتشاراً  عند البدو، وفي البيئات الجبلية والزراعية التي تشتهر بتربية الماعز والأبقار. وما زالت هذه المهنة إلى يومنا هذا، ومع استخدام الوسائل الحديثة أصبح الأمر سهلاً على المرأة، بعد توفر الماكينات الكهربائية، حيث تم إدخال «السقا» المعدني بدلاً من التقليدي. وتشكل عملية إنتاج مشتقات الحليب مصدر دخل للعديد من الأسر، ما يسهم في دعم الاقتصاد المحلي وتعزيز الاستقلال المالي للأسر، والحفاظ على هذا الموروث واستدامته.
الماضي والحاضر
«خض اللبن» أو «السقا»، من الأعمال التي تمارسها شذى الطنيجي «يدو شديه» كما تلقب، والتي اكتسبت أسرار المهنة من إحدى الباحثات، رغبة منها بأن تكون حلقة وصل بين الماضي والحاضر، وأن تنقل هذا المورث بطريقة مبسطة وواضحة للأجيال. وتقول: وجود الأطفال في الساحات التراثية والتعرف على ما يدور فيها من نشاط، وسيلة تعليمية وأسلوب ناجع لغرس التراث بطريقة ممتعة محببة للزوار من الصغار والكبار. فطرح الأسئلة ومشاركتهم الأعمال الحرفية التي نقوم بها تجعلهم أكثر وعياً بقيمة التراث والدور الذي نقوم به.
طبق «الجامي»
تشير الطنيجي إلى أن مشتقات الحليب تُستخرج منها الزبدة، ثم يُصنع منها السمن «الذوابة» البلدي المضاف إليه الكركم والحلبة والكمون لتُصبح دهناً إماراتياً أصيلاً. ومن اللبن أيضا يتم إعداد طبق «الجامي» عبر طبخ اللبن على النار لينفصل الماء ويتكتل اللبن الذي يطفو كقطعة متماسكة على سطح القدر، ليتم تناولها مع التمر، ويمكن أيضاً وضعها تحت الشمس حتى تجف للحصول على «اليقط» التي يحبها الأطفال.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©