الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

«معاهدة السلام».. وكسر دوامة اليأس

«معاهدة السلام».. وكسر دوامة اليأس
31 أغسطس 2020 01:07

د. كريم أفراق أحمد*

 ما إن أعلنت دولة الإمارات عن مشروع «معاهدة السلام» مع إسرائيل، حتى قامت «بعض الدنيا» ولم تقعد، تعبيراً منها عن سخطها الكبير، ورفضها القاطع لهذه الخطوة الجريئة، التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ثلاث وأربعون سنة بعد الخطوة نفسها التي قام بها الرئيس المصري الشهيد أنور السادات، تلك «الدنيا» ذاتها التي انتظرتها فلسطين خاصة، والأمة العربية والإسلامية عامة، أكثر من سبعين سنة، لم تأتِ طوالها لا بخير يُذكر ولا بصنيع يُشكر، اللهم إلا بضياع للوقت وهدر للأموال، وخيبة أمل تكاد لا توصف. 
 وإن كان لنا أن نعجب، فمن صنيع تلك «الدنيا» التي رمت دولة الإمارات بكل شنيعة، لا لشيء إلا لعزمها على كسر دوامة اليأس، التي أحبطت همّة الأمة وأثقلت كاهلها، عزماً منها على الخروج من هذا المأزق بحلّ يرضي الجميع، حلٌ انتظره الفلسطينيون على أيدي تلك «الدنيا» أعماراً وأعماراً، فلم تبرح أبداً مكانها، اللهم إلا من جحر التهديد الشفاهي والخطب الطنانة: غداً سنطمس اسم إسرائيل ونصلي بعدها الجمعة في القدس، فلا هُم اسم إسرائيل طمسوا، ولا نحن صلينا الجمعة في القدس، ولا الفلسطينيون عادوا إلى ديارهم، لا في 1948، ولا في 1967 ولا في 1973، ولا في عام اليوم، بل إن «هؤلاء» وأخواتها جميعاً أقاموا أمجادهم، وحققوا أرباحهم، ولم ينفعوا فلسطين بشيء، فالله المستعان. 
ثم إن كان لنا أن نعجب، فمن صنيع تلك «الدنيا»، التي لم يسكت غضبها ولم يسكن غيضها أمام صنيع دولة الإمارات، التي لم تكن يوماً بدعاً بين الأمم، حيث تنافس في السبق إلى ذلك المتنافسون، فلم يتلفظوا ولو بشق كلمة أو أدنى، حين عقد أكثر من واحد من أسيادهم وخلانهم الاتفاقات السياسية والتجارية والعسكرية والأمنية والمخابراتية بل والثقافية مع إسرائيل، فعجباً لمن ينسى عيوبه ولا ينشغل إلا بغيره.
نعم، فلسطين محاطة من كل جانب، لا حيلة لها ولا قوة، وبناء عليه من سيُحارب لتحريرها أم من سيناضل لاسترجاع حقوقها؟ أأصحاب الشفاهية من على المنابر أم أصحاب الكتابية من أرباب الأقلام والمحابر، أم المتعاقدون في الخفاء مع إسرائيل، المتآمرون في الظلام على فلسطين؟ 
إن الناظر في تطورات القضية الفلسطينية، خلال السنوات الماضية، ليعلم علم اليقين أنها وصلت إلى مستويات من «الانكماش السياسي»، انعدم معها أدنى بصيص أمل للسلم وأبسط بديل قد يستند إليه المجتمع الدولي، الفلسطينيون في مقدمتهم، أزمة سياسية وإقليمية وإنسانية لا يستفيد منها، في الحقيقة المرة، إلا أصحاب المشاريع الاستراتيجية البعيدة المدى، ممن لا يهمهم عاشت الأمة أم فقدت، الفلسطينيون في مقدمتهم. 
وكلنا يعلم أن التغيرات الكبرى تحتاج إلى قيادات لديها الشجاعة السياسية والإمكانيات المادية والبعد في النظر والرجاحة في العقل والقدرة على تحمل الصعاب، قيادات عادة ما تكون نادرة، لا تأبه لا بالمرجفين ولا بالمتخاذلين ولا بالمتقهقرين ولا بمن هم دونهم، كما أن كلّ منّا يدرك أن ثمة فارقاً كبيراً بين امتلاك قوة الضجيج والعجيج وبين الجرأة التي تدفع بك، على بينة وحنكة وحكمة، باتخاذ قرارات استراتيجية، في وقت أضحى فيه الجميع يعتقد أنه لا مناص من هذه الأزمة إلا بمواجهة الصعاب والتصدي لها بكل عزم وحزم. موقف جريء قامت به دولة الإمارات، حين أعلنت عن معاهدة السلام مع إسرائيل، إيماناً منها أنه آن الأوان لنفض الجمود، الذي أحاط بالقضية الفلسطينية من كل جانب من جهة، وللحد من مؤامرات المتآمرين وأذرعها السياسية المنتشرة في العالم الإسلامي من أخرى.
لقد حقق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ما لم يحققه غيره من أصحاب الخطب الطنانة والشعارات الرنانة، ممن لا هَمّ لهم إلا تحريك الشارع العربي والإسلامي، وتحريض الغُفل من أبنائه من أصحاب النوايا الصادقة، ممن لم يفقهوا بعد أن هدف هؤلاء، الأول والأخير، امتطاء القضية الفلسطينية وتلميع صورتهم المخزية، فلا هُم أرضاً قطعوا ولا ظهراً أبقوا ولا فلسطين حرروا، بل إنك تجد أيديهم في قلب كل المؤامرات ومنابرهم في كل القنوات وجنودهم وراء كل كبيرة وكبيرة، إلى أن خرب حاضر الأمة وفسد مستقبل أجيالها.
أما دولة الإمارات، فنجحت في إيصال رسالة مقنعة للمجتمع الدولي، بأن هناك رغبة عربية وإسلامية لإحلال السلام في المنطقة.. مبادرة طيبة تستحق كل التنويه، جاءت ردود فعل الدول المساندة للسلام حول العالم مؤيدة لمشروعها، مشروع معاهدة السلام مع إسرائيل لا يفهم منه التنازل عن القضية الفلسطينية ولا التآمر على مقدساتها، عجّل الله بفرجها، ولمن لم يزل بعد متردداً ومتذبذباً لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بالله عليك هذا مشروع دولة الإمارات العربية المتحدة، فأين مشروع غيرهم، أصحاب الهمز واللمز في مقدمتهم؟

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©