واشنطن (وكالات)
أثارت صور اقتحام أنصار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب مبنى «الكابيتول»، خلال جلسة للكونجرس للمصادقة على فوز جو بايدن بالرئاسة، صدمة بين كثير من الأميركيين وفي العالم، نتيجة الفوضى غير المسبوقة، وأعمال العنف التي رافقتها ضد أبرز رموز الديموقراطية الأميركية.
وسدّدت مشاهد الاقتحام ضربة قاسية لصورة الولايات المتحدة كمنارة للديموقراطية، فأثارت صدمة وذهولاً للحلفاء، فيما سارع الخصوم إلى استغلال أعمال العنف.
واعتاد العالم على رؤية الدبلوماسيين الأميركيين يهرعون لإصدار بيانات تنديد عند قيام مجموعة أنصار للسلطة باقتحام برلمان في العالم، للمطالبة بإلغاء نتائج انتخابات.
لكن مع الفوضى، التي عمت مبنى الكابيتول، انقلبت الأدوار وأصدرت عواصم العالم دعوات إلى الهدوء، لا بل تحذيرات إلى رعاياها، ومنها أستراليا، التي حذرت مواطنيها من «احتمال وقوع عنف» في الولايات المتحدة.
وهذا الوضع يُشكل مفارقة لبلد يحظى بنظام ديموقراطي منذ أكثر من قرن، وصفه الرئيس السابق رونالد ريجان بأنه «مدينة مشعة على تلة». ولم تعد هذه الصورة موضع إجماع منذ وقت طويل. لكن بعد 4 سنوات خالف فيها ترامب كل المعايير، كانت بضع ساعات من الفوضى كافية لتبدو الديمقراطية الأميركية هشة.
وحملت الأحداث الرئيس السابق جورج بوش على تشبيه الأحداث بالوضع في «جمهورية موز»، منتقداً زملاءه الجمهوريين لتأجيجهم «العصيان».
واستشهد البعض في العالم بأحداث تاريخية سعياً لتوصيف الاقتحام غير المسبوق لأبرز رموز الديموقراطية في الولايات المتحدة.
الزحف على روما
وشبه وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أعمال العنف في العاصمة الفدرالية الأميركية بإحراق مقر الرايخشتاغ، البرلمان الألماني خلال الحقبة النازية، فيما قارنت صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية بين الأحداث و«الزحف على روما» بقيادة بينيتو موسوليني.
وأبدى كثيرون مخاوف من الضرر الذي ستلحقه هذه الأحداث، بشكل دائم، بصورة قوة عظمى في العالم. وقال بين رودز المستشار الدبلوماسي السابق لباراك أوباما: «على الأميركيين ألا تساورهم أوهام، فصور الاقتحام، على غرار رئاسة ترامب، ستؤثر بشكل دائم على النظرة إلى الولايات المتحدة في العالم». وإن كان بعض الحلفاء أبدوا تعاطفاً مع الولايات المتحدة في هذه المحنة، فإن دولاً أخرى رأت في أعمال العنف مناسبة لتسوية حساباتها مع هذا البلد، معتمدة نبرة متعالية أحياناً، وساخرة أحياناً أخرى. وفي اقتباس لنبرة البيانات التي تصدر عادة عن واشنطن، أعرب وزير الخارجية الفنزويلي خورخي أريازا عن «قلقه» بعد أعمال العنف، داعياً أميركا إلى سلوك طريق «الاستقرار والعدالة الاجتماعية».
وحاول بعض حلفاء الولايات المتحدة مثل وزير الخارجية الإيرلندي سايمن كوفني التخفيف من خطورة الحدث بالتأكيد على أن المشكلة تكمن في دونالد ترامب، ولا تعكس صورة الديموقراطية الأميركية. وقال كوفني: «يجب أن نقول الأمور كما هي: إنه هجوم متعمد على الديموقراطية نفذه رئيس حالي وأنصاره». وندد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بما وصفه «مشاهد مخزية». وفي باريس، اعتبر الرئيس إيمانويل ماكرون أن ما حدث «ليس أميركياً بالتأكيد».
لكن حتى الذين يؤمنون بقدرة الولايات المتحدة على التعافي سريعاً من عهد ترامب، يبدون مخاوف من أن تكون هذه الأحداث قوضت بشكل نهائي قدرة واشنطن على نشر قيم الديموقراطية في العالم.
وكتب الدبلوماسي الأميركي السابق ريتشارد هاس في تغريدة: «سنحتاج إلى فترة من الوقت، ليس لاستعادة قدرتنا على الدفاع عن دولة القانون فحسب، بل كذلك لإقناع حلفائنا بأن بوسعهم الاعتماد علينا، أو تلقين دروس لآخرين بأنهم لا يتمتعون باستقرار كاف لامتلاك السلاح النووي».
كتب التاريخ
وستطبع الصور التي التقطت من داخل مبنى الكابيتول العريق الذي يضم الكونجرس الأميركي في واشنطن التاريخ. فقد اجتاز حشد من المتظاهرين الذين كانوا يلوحون برايات بعضها كتب عليه «ترامب رئيسي»، الحواجز الأمنية أمام الكابيتول واقتحموا المبنى وخربوا مكاتب ودخلوا إلى قاعات والتقطوا صورا لهم فيها، مرددين أن الانتخابات الرئاسية مزوّرة.
وأطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع خلال عملية استمرت أربع ساعات لإخراج المتظاهرين.
ويقول المؤرخون: «إنها المرة الأولى التي يتم فيها اقتحام الكونجرس منذ عام 1814، عندما أحرقه البريطانيون خلال حرب 1812.