السبت 11 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

بالشراكة مع «الاتحاد».. «تريندز» يقرأ تحديات القرن الأفريقي

المتحدثون من اليمين: أولي بيكا سورسا وكاليب ديميريو وبريندون كانون وفيريدريكو دونيلي وماركو دي ليدو وتيم أدموندز وبنجامين ديفيز (من المصدر)
24 نوفمبر 2022 02:09

أبوظبي (الاتحاد)

استنتاجات مهمة توصل إليها خبراء وباحثون  أكاديميون من دول عدة، خلال ندوة عقدها مركز «تريندز للبحوث والاستشارات» بالتعاون مع صحيفة «الاتحاد»، أول أمس الثلاثاء، تحت عنوان «جهود ومبادرات  السلام والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي.. تقييم الأدوار والمصالح»، أهمها: ضرورة تشجيع الحوار الداخلي، وإجراءات بناء الثقة بين حكومات منطقة القرن الأفريقي من أجل إرساء أسس التكامل الإقليمي والتعاون الاقتصادي، ووضع آلية لتسوية المنازعات بين دول القرن الأفريقي، وتقديم الدعم السياسي لدور الاتحاد الأفريقي في حل نزاعات  القرن الأفريقي.
الندوة التي قدمت لها علياء الجنيبي رئيس قسم الاتصال الاستراتيجي بـ«تريندز»، استنتج المشاركون فيها ضرورة الحد من التنافسات بين الدول، التي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في القرن الأفريقي، من خلال تنسيق المواقف المشتركة بين الأطراف الخارجية، وأهمية تنسيق الجهود الإقليمية والدولية الهادفة إلى مكافحة القرصنة وحماية الأمن البحري في القرن الأفريقي واعتماد آليات جماعية مشتركة متفق عليها لتحقيق هذا الهدف، وضرورة التصدي، على وجه السرعة لتهديدات تغير المناخ، من خلال زيادة المساعدات الإنسانية، وتعزيز التعاون مع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في شرق أفريقيا «إيغاد».

أهمية جيواستراتيجية
بدأت فعاليات الندوة بكلمة ترحيبية للدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لـ«تريندز»، أشار خلالها إلى الأهمية الجيواستراتيجية الكبيرة التي تحظى بها منطقة القرن الأفريقي، مؤكداً أن الندوة تناقش كيفية تحقيق الاستقرار والسلام والتنمية في منطقة القرن الأفريقي، ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لأفريقيا والشرق الأوسط والعالم ككل، وكيفية تنسيق الجهود والمبادرات والأدوار الخارجية الرامية لتحقيق هذا الهدف، وصولاً إلى أفضل النتائج الممكنة. وقال إن هذه الأهمية الجيواستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي جعلت منها نقطة جذب دولية، وساحة للتنافس السياسي بين القوى الإقليمية والدولية على الحضور وامتلاك النفوذ فيها حفاظاً على مصالحها. بل وصل الأمر إلى حد قيام دول كبرى، مثل الولايات المتحدة والصين وبريطانيا، بإيفاد مبعوثين خاصّين إلى منطقة القرن الأفريقي، تأكيداً للأهمية التي تحظى بها، ضمن استراتيجياتها العالمية.

ارتباط تاريخي
وتحت عنوان: «الاستقرار في القرن الأفريقي: المحددات والأسباب والدوافع»، انطلقت مداخلات الجلسة الأولى التي أدارتها رهف الخزرجي نائب مدير إدارة النشر العلمي بـ«تريندز»، وأكدت  خلالها أن ارتباط المنطقة بالقرن الأفريقي هو ارتباط تاريخي، وهو تعاون يمتد لقرن من الزمان.
وقدم كالب دميرو، الباحث بجامعة جنوب فلوريدا الأميركية، ورقة عمل حول «النخب والعنف: المحددات المؤسسية للاستقرار السياسي في القرن الأفريقي» - استنتج  خلالها أن بناء الدولة في المنطقة أمر ينطوي على تعقيدات؛ لذلك يجب تطبيق سياسات تنموية تراعي طبيعة الدول، بدلاً من محاولة نسخ ولصق الهياكل المؤسسية من الغرب.

رواسب استعمارية
وتحدث في الجلسة الأولى أيضاً، ألكسي يلونين الباحث بمركز الدراسات الدولية بجامعة لشبونة البرتغالية، وقال إنه بالنظر إلى بعض المؤشرات المرصودة في القرن الأفريقي اليوم، نلاحظ هشاشة بعض الدول، مثل الصومال وكذلك جنوب السودان، وهذا الضعف إرث خلّفه الماضي، وأضاف يلونين أن هناك ديناميات معينة تسهم في عدم الاستقرار بتلك المنطقة، ومنها تهميش فئات مختلفة من المجتمع، مضيفاً أن هذا يعود إلى فترة الاستعمار.
وقال يلونين: «انطلقنا من الاستعمار إلى الحرب الباردة التي لها باع أيضاً وتأثير على منطقة القرن الأفريقي، وما شهدته هذه المنطقة من تدخل خارجي في هذه الحقبة في إطار المنافسة بين القوى الكبرى والحروب بالوكالة، ما يشكل أسباباً تدفع إلى عدم الاستقرار والنزاع، مبيناً أنه عند وضع حلول للأزمة المزمنة، يجب إدراك ضعف هذه الدول، والتأثيرات السلبية المحتملة للتدخلات الخارجية، وأهمية العمل على تعزيز شرعية دول القرن الأفريقي.

القرصنة 
وناقشت الجلسة الثانية: «الأمن البحري والقرصنة في القرن الأفريقي: التحديات وكيفية المواجهة»، وقد أدارها ليوناردو جاكوبو، الباحث بقسم الدراسات الاستراتيجية بـ «تريندز»، الذي أشار فيها إلى أنه على الرغم من أن المبادرات الأمنية البحرية التي نفذتها جهات إقليمية ودولية أثبتت فاعليتها القصوى في مواجهة ظاهرة القرصنة الصومالية، فإن المجال البحري قبالة القرن الأفريقي بعيد كل البعد عن اعتباره منطقة خالية من المتاعب.

«أطراف ثالثة»
أكد الدكتور أولي بيكا سورسا، الأستاذ المساعد ببرنامج الأمن الداخلي بأكاديمية ربدان أن منطقة القرن الأفريقي حيوية للأمن البحري، ومهمة للتجارة والنقل الدوليين، لكنها لا تزال شديدة الخطورة أيضاً، مبيناً أن ذلك يعود إلى أنها حلقة وصل بين قارتي آسيا وأوروبا عبر الشرق الأوسط، وأضاف أنه عند الحديث عن القرصنة في خليج عدن، لم يشهد محيط القرن الأفريقي العديد من حوادث القرصنة، منذ عام 2018، ويرجع ذلك أساساً إلى قيام «الأطراف الثالثة» بمكافحة القرصنة في المنطقة، وهذه الأطراف تشمل البحرية الدولية، لاسيما البحرية الأميركية، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وبعض القوات البحرية الآسيوية، بما في ذلك القوات البحرية الصينية واليابانية والكورية الجنوبية والإندونيسية، مؤكداً أن هذه القوات البحرية تلعب دوراً مهماً في الإجراءات الأحادية الجانب لمكافحة القرصنة، إلى جانب إجراءات متعددة الأطراف، والأهم من ذلك مهمة الاتحاد الأوروبي. وعلاوة على ذلك، لعبت العديد من المنظمات التجارية دوراً بارزاً للغاية، لكنه مثير للجدل، في مكافحة القرصنة.

«الجريمة الزرقاء»
وأكد تيموثي بيتر إدموندز أستاذ الأمن الدولي بجامعة بريستول البريطانية، أنه في حين تم احتواء القرصنة قبالة سواحل الصومال إلى حد كبير، لاتزال هناك تهديدات بحرية متعددة وانعدام للأمن، موضحاً أن التعاون الدولي بين القطاعين العام والخاص كان عاملاً أساسياً في نجاح عمليات مكافحة القرصنة. وأشار أدموندز إلى أن استمرارية الشبكات الإجرامية البحرية، وظهور أشكال أخرى من الجريمة الزرقاء، بما في ذلك الصيد غير القانوني وغير المبلّغ عنه وغير المنظم (IUU)، والتهريب بمختلف أنواعه.

مبادرات تأمين الاستقرار
الجلسة الثالثة من الندوة توقفت عند «الجهود والمبادرات لتأمين السلام والاستقرار في القرن الأفريقي: الأسباب المنطقية والمصالح»، وأدارها سلطان ماجد محمد، نائب مدير الباروميتر العالمي بـ«تريندز»، مؤكداً أن الدوافع وراء التاريخ غير المستقر للقرن الأفريقي تُظهر لنا إمكانية اندلاع النزاعات في القرن الأفريقي في البلدان المجاورة والتأثير على المنطقة بأكملها من خلال تدفقات اللاجئين وعدم الاستقرار السياسي، مشيراً إلى أن هذا المحور سيناقش جهود ومبادرات الأطراف الثالثة، وتقييم ما إذا كانت هذه الجهود فعالة في منع تصعيد الصراع وإرساء أسس السلام والأمن في المستقبل.

الشراكة الصينية الأفريقية
قدم ماركو دي ليدو، المحلل المسؤول عن مكتب أفريقيا، بمركز الدراسات الدولية (CESI) بإيطاليا، عرضاً بعنوان «المنافسة الاستراتيجية في القرن الأفريقي: مقاربات وأهداف الصين وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيطاليا»، تطرق فيها إلى الدور الصيني الذي يعتمد على ثلاث استراتيجيات، هي الاستمرارية، والتعزيز، والتوسع. وذكر أن الشراكات الجديدة من أجل التنمية بين الصين وأفريقيا تبحث عن زيادة التجارة الثنائية، وتحسين الحكم المتعدد المستويات «محلي، وإقليمي، وعالمي»، والتعاون في الأمن والمساعدة العسكرية، وتعزيز المشاركة السياسية والاجتماعية. وقال إن هناك عقبات أمام تطوير الشراكة الصينية الأفريقية، أهمها تحديات ما بعد الوباء، والحرب في أوكرانيا، وما ينتج عنها من حالة عدم اليقين الاقتصادي، بالإضافة إلى التحديات السياسية والتنافس مع الولايات المتحدة.  
وأشار «دي ليدو»، إلى  أن إدارة الرئيس الأميركي بايدن تعتمد استراتيجية أفريقية جديدة تقوم على ثلاث طرق: الأولى النهج السلبي من خلال مواجهة التهديدات الحكومية وغير الحكومية «الإرهاب، الصين، روسيا»، الثانية النهج النشط من خلال العمل على جداول أعمال مشتركة، مثل تغير المناخ والسلام والأمن. والثالثة اللامركزية، حيث تبدأ محاولة تجديد صورة الولايات المتحدة في أفريقيا من خلال التعددية الأميركية الجديدة، مع افتقار الاتحاد الأوروبي إلى نهج متكامل تجاه القرن الأفريقي. وبين أن الأولويات القصوى لأجندة الاتحاد الأوروبي في المنطقة تعتمد على منع الهجرة غير الشرعية، وتخفيف الأزمة الإنسانية، ومكافحة الإرهاب وعدم الاستقرار والقرصنة.

المواقف الإقليمية
قدم  فيديريكو دونيلي من جامعة جنوة الإيطالية، مداخلة بعنوان «الجهود والمبادرات لتأمين السلام والاستقرار في القرن الأفريقي: الأسباب المنطقية والمصالح»، استنتج خلالها أن النهج التركي يعتمد على التعامل مع القضية بشكل فردي، وتوظيف دور الوسيط والتفاوض مع إثيوبيا بشأن قضايا متعددة (البنية التحتية والتجمعات الصناعية والأسلحة)، لكن لا يوجد تنسيق مع الجهات الفاعلة الأخرى خارج المنطقة. والجانب التركي يتمتع بخبرة في قضايا السياسة المائية، والعلاقة مع الاتحاد الأفريقي، والقدرة على المساومة تجاه إثيوبيا. ومع ذلك، فقد فشل بسبب ضعف قناعته وموارده، ونقص المعرفة بالصورة الكبيرة، ومحدودية التواصل مع السودان ومصر. وتوقف دونيلي عند موقف دولة الإمارات، مشيراً إلى أن نهجها يعتمد على كسب ثقة جميع الأطراف، والتركيز على إيجاد حل تفاوضي لأزمات المنطقة.

دور إيجابي للإمارات 
أوضح الدكتور بريندون كانون، الأستاذ المساعد بجامعة خليفة، في مداخلة له أن هناك نزاعات عديدة تقوض الاستقرار في القرن الأفريقي، وربما أهمها الآن: النزاع في إثيوبيا، حيث أدت الحرب على مدار سنوات طويلة إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، والنزاع بين إثيوبيا والسودان على الحدود. ورغم توصلهما لاتفاقية، ولكن هذا الاتفاق زاد من العداء بين الحكومة وجبهة تيغراي. وتطرق «كانون» إلى الجهات التي تقوم بدور الوساطة، مثمناً دور دولة الإمارات الإيجابي، مشيراً إلى أنها تتمتع بعلاقات جيدة مع مختلف الأطراف، لذا يمكنها أن تلعب دوراً بنَّاء في هذا النزاع. وكذلك الأمر بالنسبة لقضية سد النهضة. وتحدث «كانون» حول جهود مجموعة الوساطة (3+) التي اقترحت بنوداً على مجلس الأمن لنزع فتيل الأزمة. كما شدد على دور الاتحاد الأفريقي في حل النزاعات.

توصيات الختام
على مائدة مستديرة بإدارة الدكتور بنجامين ديفيس، الخبير الاقتصادي بمركز تريندز، ناقش المشاركون «الجهود والمبادرات المستقبلية لتأمين السلام والاستقرار في القرن الأفريقي: خريطة طريق مقترحة»، وقدموا توصيات أكدت أهمية المساعدة في بناء القدرات المؤسسية والفنية لتقوية سلطة الحكومات الوطنية، وزيادة مرونتها وقدرتها على التعامل مع التحديات الخارجية، وضرورة الحد من التنافسات المزعزعة للاستقرار في القرن الأفريقي، من خلال تنسيق المواقف المشتركة بين الأطراف الخارجية، واقتراح إنشاء صندوق إقليمي للتنمية الاقتصادية بتمويل من جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ودول مجلس التعاون الخليجي، لتعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي. وسيركز هذا الصندوق على القطاعات التي توفر فرص العمل «مثل الزراعة والصناعة»، ودعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتنفيذ شبكات الكهرباء وشبكات النقل المتكاملة إقليمياً. إضافة إلى التصدي على وجه السرعة لتهديدات تغير المناخ، بما في ذلك الجفاف وانعدام الأمن الغذائي والتصحر، من خلال زيادة المساعدات الإنسانية، وتعزيز التعاون مع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في شرق أفريقيا «إيغاد».
أوصى الخبراء بتنسيق الجهود الإقليمية والدولية الهادفة إلى مكافحة القرصنة وتحقيق الأمن البحري في القرن الأفريقي واعتماد آليات جماعية مشتركة متفق عليها لتحقيق هذا الهدف، ورفع مستوى القدرات الفنية الوطنية في مجال الأمن البحري من خلال الدعم الفني من طرف ثالث والتعاون بين القطاعين العام والخاص لتعزيز أمن الموانئ، والتدريب على إنفاذ القانون، وبناء القدرات. ودعا المشاركون إلى وضع آلية لتسوية المنازعات بين دول القرن الأفريقي وتقديم الدعم اللازم لضمان فاعلية هذه الآلية، وأهمية تقديم الدعم السياسي لدور الاتحاد الأفريقي في حل النزاعات القائمة في القرن الأفريقي، وربط مساعدات التنمية الأجنبية الجديدة «باستثناء المساعدات العاجلة والإنسانية» بالتحسينات في الشفافية والمساءلة وسيادة القانون.
وشدد الخبراء على ضرورة تشجيع الحوار الداخلي وإجراءات بناء الثقة بين حكومات القرن الأفريقي من أجل إرساء أسس التكامل الإقليمي والتعاون الاقتصادي، من خلال زيادة التنسيق الدولي وتشجيع القوى الكبرى للحد من المنافسة الاستراتيجية الثنائية. واقترح المشاركون في الندوة تشكيل تجمع أمني «على غرار مجموعة الساحل G5 على سبيل المثال» لإدارة التعاون بين دول المنطقة لمكافحة الإرهاب ومعالجة المسائل الأمنية الأخرى والعمل على إضفاء الطابع المؤسسي على الحوار الاستراتيجي مع الأطراف الخارجية. ودعا الخبراء المشاركون في الندوة إلى تطوير استراتيجيات إعلامية لتقوية العلاقات الثقافية والتاريخية المشتركة بين شعوب القرن الأفريقي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©