تواجه المؤسسات الوطنية اختباراً جدياً في ظل جائحة كورونا، ويبقى نجاحها مرهوناً بمدى قدرتها على تنفيذ استراتيجياتها وخططها المرتبطة بخدمة المجتمع، فضلاً عن التزامها بقرارات الحكومة لتفادي آثار الأزمة بإرشاد المواطنين نحو طرق الوقاية وتجنب مخاطر الفترة العصيبة التي نمر بها، ورغم تركيز الاهتمام العالمي على الجوانب الاقتصادية والصحية، إلا أن الحاجة كبيرة أيضاً إلى التركيز على القضايا الاجتماعية والنفسية لمساعدة الناس على تجاوز تداعيات هذه الجائحة التي اضطرت كثيرين لالتزام بيوتهم بشكل شبه تام.
ومن منطلق الموقع الذي أشرُف به كرئيس لمجلس أمناء مؤسسة التنمية الأسرية تحت قيادة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك الرئيس الأعلى للمؤسسة، قمت ببث كلمة عبر الفيديو دعوتُ فيها أبناء المجتمع إلى اتباع النصائح والإرشادات وتطبيق التعليمات الصادرة عن الحكومة، وأحسب أن دوري ومعي أخواتي وإخواني في مجلس أمناء المؤسسة والإدارة وكافة العاملين فيها لا ينتهي عند هذا الحد، فنحن وسوانا من المؤسسات الوطنية أمام تحدٍّ كبير يدعونا للتفكير بإيجابية فيما نقدّم من مبادرات ومشاريع وخدمات، ودعم خطط الحكومة من أجل حماية الناس من فيروس كورونا الذي وضع العالم في منطقة مجهولة وفي مواجهة خطر غير مرئي ولمدة غير معروفة.
إن اضطلاع مؤسسة التنمية الأسرية بمسؤوليتها تجاه الأسرة بجميع أفرادها أمر يتطلب منها العمل على إرشاد وتوجيه المجتمع الإماراتي بما يسهم في تعزيز استقراره، فضلاً عن الالتزام بتوجيهات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك-حفظها الله- التي تتابع باستمرار وعن كثب خطط المؤسسة واستراتيجياتها في التعاطي مع المستجدات التي تطرأ على المجتمع وتؤثر على حياة أفراده بشكل مباشر أو غير مباشر، فترى سموها ضرورة التنسيق مع المؤسسات الدولية المعنية بشؤون الأسرة والمرأة والأسرة وأفرادها بهدف متابعة تقاريرها والاستفادة من خبراتها في مجال العناية بالمجتمع، وكل ما من شأنه أن يسهم في تنمية ورعاية الأسرة.
منذ بداية تعامل الإمارات مع جائحة كوفيدـ19، والعاملون في المؤسسة - وهم كوكبة من الكفاءات والخبرات والكوادر الوطنية – يبدون قدراً عالياً من المسؤولية والوعي بضرورة مضاعفة الجهد والعمل بالوسائل الأنجح والأسرع في الوصول لكل شرائح المجتمع ودعم الأسر بكافة أفرادها، فأحسَنوا استخدام التكنولوجيا الحديثة في التواصل مع الجمهور ودعوتهم للالتزام في بيوتهم للحد من انتشار الفيروس، وتحت شعار (لأننا معكم وقريبين منكم) استدعت المؤسسة عدداً من الخبراء في شؤون الأسرة والمجتمع والصحة النفسية لتقديم أنشطة تفاعلية عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن بُعد بهدف تعزيز جودة الحياة الأسرية، فقدمت ورش عمل عديدة من بينها (جودة الحياة في ظل الأزمات)، (الموازنة بين دور المرأة الأسري والمجتمعي في ظل الأزمة)، (الدور الإيجابي للشباب وقت الأزمات)، و(دور الأسرة في إدارة الأزمات) و(دورة الوالدية الفاعلة - مرحلة المراهقة والمتوسطة والمبكرة) وكذلك (شاركوا أطفالكم اللعب وعيشوا معهم طفولتهم)، إلى جانب إطلاق برنامج سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك للتميز والذكاء المجتمعي لمسابقة تعنى بشؤون جميع أفراد الأسرة. ومن خلال متابعتي مع سعادة مريم محمد الرميثي مدير عام المؤسسة وإطلاعها لي على نتائج تلك الورش، أشعر حقيقة بارتياح كبير لمدى استجابة أفراد المجتمع مع برامج مؤسستنا التي لا شك أنها تتكامل مع برامج المؤسسات الوطنية ذات الاهتمام المشترك، والتي تهدف في المقام الأول إلى الحفاظ على الأسرة ككيان متكاتف.
إن التعايش مع نتائج انتشار كورونا ليس مسألة بسيطة، لكن علينا التعامل بفهمٍ تامٍ مع الحدث ومستجداته التي فرضت نوعاً من العزل الجسدي، ولعل أفضل ما يمكن قوله في هذا المجال ضرورة أن نحسن تحويل تلك المسألة من تحدٍّ إلى نجاح من خلال تقاربنا كآباء وأمهات مع أولادنا وأحفادنا، ومحاولة سد الفجوة في ما بيننا، تلك التي كانت قد اتسعت بسبب نمط الحياة الاستهلاكي الذي كاد يسيطر على حياتنا كأفراد، وهنا نثبت مدى وعينا في التعامل مع أفراد أسرنا كباراً وصغاراً، ونتحمّل مسؤولياتنا كاملة تجاههم وخصوصاً أطفالنا، إذ علينا اغتنام الوقت لنسجل حضوراً حكيماً في حياتهم، ونكون معهم كما يحبون وكما تقتضي الأبوّة والأمومة، ولنعمل على ترك أجمل الذكريات في حياتهم، علّ تلك الذكريات تصبح حكايات يروونها لأولادهم من بعدنا.