في الوقت الذي كثُر فيه الحديث عن الثمن الإنساني للوباء الحالي، مع التركيز على أعداد الإصابات والوفيات المتزايد يومياً، وتمت تغطية الثمن الاقتصادي للوباء من قبل الخبراء والمتخصصين، مع توقع الكثيرين منهم أن يتجه الاقتصاد العالمي نحو فترة كساد غير مسبوقة منذ ثلاثينيات القرن الماضي. إلا أن تأثيرات الوباء على الصحة النفسية، وعلى النسيج الاجتماعي لم يحظيا بنفس القدر من التغطية الإعلامية. ففي الوقت الذي تحدّق فيه البشرية برمتها ناحية المجهول، وتحت ضغط سيل يومي من أرقام الإصابات والوفيات، تراجع مستوى الصحة النفسية للغالبية، خصوصاً مَن يعانون أصلاً أمراضاً نفسية، مثل الاكتئاب، واضطرابات القلق، ونوبات الفزع، والوسواس القهري.
مثل هذا التأثير السلبي الجانبي للوباء، تناولته منظمة الصحة العالمية في وثيقة مهمة، حملت عنوان «اعتبارات للصحة العقلية والحالة النفسية خلال وباء كوفيد-19»، والتي لقيت ترحيباً واسعاً من أفراد الفريق الطبي العامل في هذا التخصص الصحي المهم.
ولن يتسع المقام هنا لاستعراض جميع التأثيرات النفسية للوباء الحالي على الأصحاء، وعلى المصابين باضطرابات نفسية سابقاً، ولذا سنكتفي بالإشارة إلى أهم التدابير والإرشادات الممكن اتباعها على المستوى الشخصي، لتخفيف وطأة القلق والتباعد الجسدي على الصحة النفسية والعقلية. أولاً: تقليل الوقت الذي يتابع فيه المرء أخبار الوباء، سواء على وسائل الإعلام المرئية أو المقروءة، ففرط استهلاك مثل هذه الأخبار خلال اليوم لابد وأن ينعكس سلبياً على الحالة النفسية، مع الأخذ في الاعتبار أن الوضع العالمي لن يتغير بين عشية وضحاها، ولذا فلا فائدة ترجى من قضاء عدة ساعات في سماع نفس الأخبار، في أشكال وصيغ مختلفة.
ثانياً: اختيار مصدر الأخبار بعناية، بحيث يكون مصدراً موثوقاً به، وتجنب أخبار وسائل التواصل الاجتماعي بمنصاته المختلفة، حيث إنها في أحسن الأوقات والظروف هي مصادر غير موثوق بها، وتميل إلى التهويل لجذب المشاهدين، كما تتعمد كثيراً نشر الإشاعات والأكاذيب.
ثالثاً: البقاء على تواصل يومي ومستمر مع الآخرين. صحيح أن إرشادات التباعد الجسدي تنص على خفض التواصل المباشر قدر الإمكان، إلا أنها لا تمنع البقاء على تواصل مع الآخرين باستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، مثل الهاتف، أو الواتساب، أو الفيديو.. بكل يسر وسهولة. فاحرص على أن تخصص وقتاً من يومك لكي تتواصل مع الأهل والأصدقاء، لتبادل الحديث والدردشة، وربما من خلال برمجيات الفيديو المباشر، وتناول وجبة الإفطار معاً، أو تمضية سهرة رمضانية، ومشاهدة مسلسل أو فيلم كامل معاً.

*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية