الإمارات لم تنشغل بأزمة فيروس «كورونا»، عن غيرها من الجائحات التي أصابت أجزاء من الإنسانية بالعطب، فهي حريصة كل الحرص على أن تنقذ مليونا مما يمكن تسميتهم بـ«سجناء المحبسين»، ممن ابتلوا بداء العمى النهري في القارة الأفريقية وغيرها من أنحاء المعمورة. لقد أتاحت حملة «مدى» الفرصة في هذا الشهر المعظم للجميع، بمعنى الفقير قبل الملياردير، للمسارعة والفوز بالناموس الإلهي في سباق الخيرات وميادينها المتنوعة.
هذا يوم يمكن أن نطلق عليه على المتبرع بـ«رب درهم سبق ألف درهم» وكذلك يمكن لصاحب المال الوفير أن ينطبق عليه «ذهب أهل الدثور بالأجور» وكلاهما من كلام من «لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى».
هذه الحملة مفصلة على مقاس الأجواد بمجتمع الإمارات في شهر الجود والكرم، ليتناسب مع كل شرائح المواطنين والمقيمين في الدولة. وتدور حملة «مدى» حول مبادرة صندوق «بلوغ آخر ميل» التي أطلقها عام 2017 صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لجمع 100 مليون دولار، من أجل القضاء على الأمراض المعدية التي يقترب عدد ضحاياها من 200 مليون شخص حول العالم.
وهو ما يعني من الناحية التنموية تعطيل هذه الطاقات البشرية ووقف مساهمتها في مشاريع التنمية المستدامة في مجتمعاتها، مع أن العالم بمثل هذه الحملات الإنسانية قادر على إنقاذ هؤلاء بتوفير سبل الوقاية والمكافحة الفعالة ضد تفشي الأمراض المدارية والوصول إلى مرحلة التخلص منها. صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، بادر بتشجيع المتبرعين بـ 20 مليون دولار، وقد تبعته «مؤسسة بيل ومليندا غيتس» بـ 20 مليونا أخرى.
ولتعزيز جهود الإمارات في هذا الإطار عُقد منتدى «بلوغ الميل الأخير» في نوفمبر 2019 لتدارس الوضع العالمي وتداركه، وخاصة وأن آثار الأمراض المدارية وتداعياتها الخطيرة تطال قرابة مليار ونصف مليار من إجمالي عدد سكان العالم أجمع.
وبعد إعلان لندن التاريخي الخاص بالأمراض المدارية المهملة في 30 يناير 2012، تمكنت 31 دولة من استئصال مرض واحد على الأقل من الأمراض المدارية، وتحقق علاج أكثر من مليار إنسان في عام 2018.
وفي العام ذاته نجح صندوق «بلوغ الميل الأخير» في علاج أكثر من 13.5 مليون مريض بـ «العمى النهري» وداء «الفيلاريا اللمفاوي»، وقام بتدريب 76 ألفا من العاملين في مجال الرعاية الصحية للمساعدة على توسيع مناطق العلاج. وجزء من ثمار منتدى 2018، والذي أينع في فبراير 2020، هو تعهد رجل الأعمال بدر فارس الهلالي بتقديم مساهمة قدرها 10.5 مليون درهم للحملة.
فخلال الـ 15 عاما الأخيرة، انخفضت الإصابة بتلك الأمراض بشكل ملحوظ، مع دخول الإمارات طرفاً رئيساً في هذا الإنجاز بتوفير المساعدات للمحتاجين في شتى الدول.
ومنذ عام 2011، تعهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بنفسه تقديم 250 مليون دولار لدعم الجهود العالمية المساهمة في استئصال الأمراض الفتاكة. وبما أن حملة «مدى» تشارك فيها كافة القطاعات في المجتمع، فإن قطاع التجزئة كان له مساهمة في تلك الحملة الإنسانية، ففي شهر مارس 2020، انضمت مجموعة «اللولو» العالمية إلى الشركاء المؤسسين لحملة «مدى»، حيث تعهدت بتقديم 3 ملايين درهم على الأقل سنوياً، للسنوات الثلاث المقبلة. وبما أننا في شهر رمضان ولا زالت الحملة في بدايتها، فإنها من المتوقع أن لا يصل الشهر إلى ختامه إلا وقد وصلت المساهمات إلى ذروتها.
*كاتب إماراتي