هاتفني أحد الأصدقاء من رجال الأعمال معاتباً لي على ما تناولته في الأسبوع الماضي بشأن طرح الخلاف بين وجهتي النظر الخاصة بالأزمة ما بعد انتشار وباء كوفيد-19، أي بين مؤيد للتدابير الاحترازية المشددة من أجل حماية أرواح الناس، وآخر مطالب بإطلاق عجلة الإنتاج فوراً ودون إبطاء لتجنب المزيد من الآثار الاقتصادية المدمرة، واتهمني هذا الصديق بانحيازي لأصحاب الرأي الأول على الرغم مما قدمه الخبراء بأن الأزمة الاقتصادية ستتجاوز أزمة الوباء في سوئها، ودعم كلامه ببعض ما جاء في تقارير مؤسسات دولية كمنظّمة العمل الدولية التي حذرت من تداعيات الجائحة، وكشفت عن أنّ سوق العمل يواجه (أسوأ أزمة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية) سواء بالنسبة لأرباب العمل أو للموظفين، ما يعني أن مئات ملايين الأشخاص ستنخفض أجورهم أو سيعانون من بطالة، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع نسبة الفقر في العالم.
لم أشأ مجادلته، فمن حقه أن يرى القضية من منطلق الآثار السلبية المترتبة عليه مباشرة، مع العلم أنني حين طرحت القضية طرحتها بمستواها العالمي والإنساني، ولم أشر إلى موقف الإمارات إلا في سطوري الأخيرة، وهو الموقف الذي أدعمه بقوة.
لا أنكر انقسام المجتمع العالمي في الرأي، وهو ما يلقي بظلاله على حياة الناس جنباً إلى جنب مع تطور جهود احتواء الوباء، وسواء أُنهي الحجر أو استمر، فهما قراران أحلاهما مرُّ، ولعل الآليات الجديدة التي بدأت دول كثيرة العمل بها لإدارة الأزمة – ومن بينها التجارة الإلكترونية – تؤكد أن البدائل موجودة في قطاعات مختلفة، كما أن العديد من الشركات العملاقة استبدلت تصنيع منتجاتها الأساسية بصناعة بدائل العالم اليوم أكثر حاجة إليها، فعلى سبيل المثال، شركتا رولز رويس ودايسون البريطانيتان بدأتا بتصنيع أجهزة التنفس، وشركة ديور الفرنسية بدأت بصناعة المعقمات، وشركة جيورجيو أرماني الإيطالية اهتمت بصناعة المعاطف الطبية الواقية، وهكذا يسعى العالم للتعاطي مع الأزمة والتعايش معها، محاولاً محاصرة ما ينجم عنها من آثار سلبية، وعليه فإن ثمة أعمالاً تندثر وأخرى تزدهر، مع العلم أن هذا السلوك ليس جديداً على العالم. ففي الحرب العالمية الثانية صنعت شركة فورد الطائرات لصالح الجيش الأميركي، إضافة إلى صناعتها المشهورة للسيارات، وبهذا النهج نجحت أميركا في مضاعفة الإنتاج أربع مرات، مما ساهم في استعادتها القدرة على التعافي والنمو، ومن ثم تخطي عقبة الكساد الكبير.
كلنا نتفق على أن الحوادث في العالم كثيرة ومؤسفة، وغالبيتها لا نعرفها إلا عبر وسائل الإعلام، كقصة الملياردير البرتغالي «أنطونيو فييرا» صاحب بنك سانتاندير الذي قضى وحيداً ومتأثراً بفيروس كوفيد-19، فكتبت ابنته خطاباً تقول فيه: (نحن عائلة ثرية، لكن والدي مات وحيداً مختنقاً يبحث عن شيء مجاني هو الهواء، وبقي المال في المنزل بلا قيمة!). لا شك أن هذه النهاية ونهايات أخرى كثيرة سواها تحتاج من الجميع التفكير خارج الصندوق، وعقد جلسات عصف ذهني للبحث عن طريق آمن للعالم أجمع من أجل معالجة نتائج هذه الأزمة وآثارها على مختلف الصعد بما يحفظ الناس ويحميهم كذلك من المرض والعوز والفقر، فالكل يريد لعجلة الحياة أن تستعيد عافيتها، وبالتالي دورانها المتواتر والطبيعي، ومن المؤكد أن الحلول موجودة في ظل وجود جهود كبيرة وإرادات حقيقية تسعى للوصول إلى خير سبيل. وأعود إلى صديقي ثانية لأؤكد له بأن الاختلاف في الرأي مسألة صحية للغاية، وهي على الإطلاق لا تفسد للود الذي بيننا قضية، وكل ما أريد ويريده هو بالضبط ما يريده العالم أجمع، وهو الخلاص بأقل الخسائر.