تعرّض‎ ‬عالمنا ‬لعدة ‬تغييرات ‬جذرية ‬في ‬مائة ‬عام ‬الأخيرة. ‬وفي ‬نهاية ‬الحرب ‬العالمية ‬الثانية ‬طفت ‬على ‬السطح ‬رؤية ‬دول ‬الحلفاء ‬المنتصرين ‬في ‬مواجهة ‬دول ‬المحور، ‬وبعد ‬نهاية ‬الحرب ‬الباردة ‬بدا ‬ظاهرياً ‬انفراد ‬الولايات ‬المتحدة ‬بالقطبية ‬الدولية في ‬عالم ‬عرف ‬الثنائية ‬من ‬قبل ‬طويلا. ‬ومع ‬أحداث ‬الحادي ‬عشر ‬من ‬سبتمبر ‬2001، ‬توجهت ‬الجهود ‬ناحية ‬مرحلة ‬الحرب ‬على ‬الإرهاب، ‬وكانت ‬هناك ‬دوائر ‬حضارية ‬تتماس ‬وتتقاطع ‬مع ‬بعضها ‬البعض، ‬تتعاون ‬مرة ‬وتتفاعل، ‬سلباً ‬أو ‬إيجاباً، ‬صعوداً ‬أو ‬هبوطاً ‬حسب ‬مقتضيات ‬الحال.
هل ‬أدى ‬فيروس ‬كورونا ‬إلى ‬طرح ‬مسألة ‬إعادة ‬تغيير ‬العالم ‬من ‬جديد، ‬بعد ‬أن ‬اكتشف ‬الجميع ‬وحدة ‬النوع ‬الإنساني، ‬وهول ‬التحديات ‬التي ‬تطفو ‬على ‬السطح ‬يوماً ‬تلو ‬الآخر؟
قبل‎ ‬عقود، أثار ‬عالم الدراسات الشرقية ‬المصري ‬الكبير ‬الراحل ‬الدكتور ‬أنور ‬عبد ‬الملك ‬تلك ‬الإشكالية، ‬وهو ‬الذي ‬انفتح ‬مبكراً ‬ومنذ ‬خمسينيات ‬القرن ‬الماضي ‬على ‬الدائرة ‬الحضارية ‬الآسيوية، ‬في ‬الوقت ‬الذي ‬كانت ‬فيه ‬الأنظار ‬والعقول ‬متعلقة ‬بالغرب ‬الأوروبي ‬والأميركي ‬بنوع ‬خاص. إن قراءة‎ ‬أوراق ‬المفكر ‬الكبير ‬الراحل، ‬تعطينا ‬إحساساً ‬بأن ‬عالم ‬ما ‬بعد ‬كورونا ‬سوف ‬ينهي ‬حصر ‬دائرة ‬هيمنة ‬المركز ‬الواحد، ‬ما ‬يعني ‬فك ‬الحصار ‬عن ‬حركة ‬التقدم ‬في ‬المناطق ‬المجمدة ‬حالياً: ‬الشرق ‬الأوسط، ‬جنوب ‬غرب آسيا، ‬أميركا ‬الوسطى، ‬أفريقيا ‬جنوب الصحراء الكبرى، ‬جنوب ‬شرق ‬آسيا، ‬شمال ‬شرق ‬آسيا.
ماذا ‬تعني ‬علاقة ‬كورونا ‬بالدوائر ‬الحضارية ‬في ‬هذا ‬الوقت ‬الحساس ‬والمؤلم؟
بالمختصر‎ ‬المفيد، ‬لفتت ‬كورونا ‬الانتباه ‬بشكل ‬حاسم ‬وقاطع ‬إلى ‬أن ‬العالم ‬لم ‬يعد ‬غربياً ‬بامتياز، ‬وإلى أن ‬الانفتاح على ‬الشرق ‬الآسيوي ‬في ‬لحظة ‬معينة ربما لا يكون ‬أمراً ‬غير ‬ذي ‬جدوى، ‬وفي ‬كل ‬الأحوال ‬من ‬المرجح ‬أن ‬تكشف ‬اللحظة ‬الحضارية ‬الحالية ‬عن ‬حلول ‬تعددية، ‬تأخذ ‬في ‬الاعتبار ‬مصالح ‬الوحدات ‬الإنسانية ‬المختلفة، ‬بنسب ‬ودرجات ‬وأساليب ‬متفاوتة، ‬لكنها ‬على ‬كل ‬حال ‬تمنح ‬قوى ‬التغيير ‬فرصة ‬أكبر ‬بكثير، وفي ‬واقع ‬الأمر ‬الفرصة ‬الأكبر، ‬في ‬التسويات ‬الجديدة.
هل‎ ‬يتم تغيير ‬العالم ‬عبر ‬المواجهات ‬العسكرية ‬فقط؟
أغلب ‬الظن أنه ‬في ‬أوقاتنا ‬المعاصرة ‬هناك ‬أدوات ‬مختلفة ‬لتغيير ‬العالم، ‬في ‬مقدمها ‬تعددية ‬الأنظمة ‬الاقتصادية، ‬وتنوع ‬السياقات ‬الفكرية، ‬إذ لم ‬يعد ‬الاحتكار ‬هو ‬سيد ‬الموقف، ‬بل ‬إعادة ‬التوزيع ‬بعدالة، ‬فلا ‬مكان ‬للمعادلة ‬الصفرية، ‬على ‬أي ‬صعيد ‬من ‬أصعدة ‬التراتبية ‬الدولية.
لقد أنهت كورونا ‬فكرة ‬صراع ‬الحضارات ‬لهنتجنتون، ‬بعد ‬أن ‬مد ‬الواحد ‬يده ‬للآخر، ‬مسلم، ‬مسيحي، ‬يهودي، ‬بوذي، كونفوشيوسي، ‬سيخي، ‬كما ‬يبدو ‬فوكاياما ‬معتذراً ‬عن ‬قوله ‬بنهاية ‬التاريخ.
إن ‬صياغة ‬مشروع ‬حضاري ‬إنساني ‬تقدمه ‬الدوائر ‬الحضارية ‬والجيوثقافية ‬التكوينية ‬الكبيرة، ‬هو ‬الحل، ‬مشروع ‬يعيد ‬إلى ‬الإنسانية ‬ليس ‬الأمل ‬الأكيد ‬في ‬استمرارها ‬فحسب، ‬وإنما ‬يمدها كذلك ‬بأنماط ‬جديدة ‬خلّاقة ‬إيجابية ‬من ‬التعامل ‬الإنساني، ‬والحياة ‬الهادفة، ‬والتقدم ‬الروحي ‬والمادي ‬المتزن ‬غير ‬المدمر.

*كاتب مصري