تستميت جماعة «الإخوان» الإرهابية في إطلاق وتمويل مجموعة من القنوات على شبكة يوتيوب، ثم تمدها بالمحتوى الموجه بأسلوب يجذب الجمهور، وبعد أن تصبح تلك القنوات متداولة لدى عامة المشتركين، تظهر على حقيقتها وتعمل لخدمة الهدف المتمثل ببث سموم الجماعة والترويج لسرديتها المتهالكة والمكررة حول الخلافة العثمانية المنهارة.
ويعرف عن «الإخوان» خلال العقود الماضية أنهم لم يتركوا وسيلة إعلامية إلا وقاموا باستغلالها. فبدؤوا باختراق الأندية والجمعيات والنقابات والاتحادات الطلابية، واستخدموا الأنشطة الترفيهية والرياضية، كما استخدموا منذ الثمانينيات أشرطة الفيديو الكلاسيكية التي لا يعرفها شباب اليوم، وبجانبها أشرطة الكاسيت التي استخدموها لتسجيل بكائياتهم، بهدف المتاجرة بالدين وجني التبرعات وتحفيز الجمهور على العطاء باسم قضايا إسلامية عديدة، تم استغلالها لجمع الأموال التي ذهبت في النهاية لصالح التنظيم وقياداته الفاسدة.
إجمالاً قام «الإخوان» باستخدام كافة الوسائل الإعلامية للمتاجرة بالخطاب الديني، وكلما انقرضت وسيلة انتقلوا إلى الأحدث منها، حتى وصلوا إلى تجنيد الإنترنت واستثماره للوصول إلى مساحة أوسع من الجمهور.
والمعروف أيضاً أن البث المرئي عبر الإنترنت صار أهم بكثير من قنوات التلفزة التقليدية، التي تنفّر الجمهور بسيل الإعلانات والبرامج غير الجاذبة، لأن شبكات التلفزة تظل بحاجة إلى تمويل يضمن استمرارها، وأداتها لتحقيق الاستمرارية هي الإعلانات التجارية والالتزام بدورة برامجية متنوعة ترضي كافة الأذواق. وفيما يوجه المتأسلمون خدمات البث عبر الإنترنت بشكل مكثف لغزو العقول، من منظور الإسلام السياسي ومقولاته التي أصبحت معروفة لدى النخبة المثقفة، فإن «الإخوان» يراهنون بانتظام على استقطاب الأجيال الشابة واستثمار الفراغ الفكري وحالات اليأس لدى المراهقين الذين يقضون أوقاتاً طويلة في تصفح الإنترنت، ولا يسلمون من الوقوع في شباك قنوات «الإخوان» وحساباتهم المشبوهة على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
لقد وفرت شبكة الإنترنت ومواقع «السوشيال ميديا» الحديثة مساحات يستغلها «الإخوان» بخبث للترويج لمقولاتهم المنحطة. ويتخفي دعاة التنظيم وراء شخصيات بعضها تمتهن التحليل السياسي، وبعضها الآخر يتخفى وراء إلقاء محاضرات التنمية البشرية وتحفيز طاقات الشباب، ثم يتدرج في دس سموم «الإخوان»، وخاصة بعد أن تكون قنوات وحسابات التواصل الاجتماعي التي يستخدمونها قد جذبت آلاف المشتركين وقدمت لهم محتوى يلبي اهتماماتهم ويشبع فضولهم، وفي اللحظة المناسبة يسهل على تلك القنوات بث سمومها للمشتركين.
ولتحقيق أغراض الدعاية والترويج الإعلامي عبر فضاءات الإنترنت التي تمتاز بسرعة الانتشار وسهولة الاستخدام، قام «الإخوان» بتأهيل عدد من أتباهم في هذا المجال، وتجدهم ينتشرون على قنوات يوتيوب ذات المحتوى الجاذب للشباب، ولكن مهما قدم الناشط الإخواني من محتوى على الإنترنت، تجده يعود دائماً إلى اعتبار أن بداية النكبة لديهم تتمثل في سقوط «الخلافة» العثمانية، وهذا هو المدخل الذي يروجون من خلاله للخلافة الإخوانية ذات المرجعية العثمانية، الأمر الذي يفسر اندفاع تركيا لتبني خطاب «الإخوان» واستضافة منابرهم.
إن من يمتلك خبرة في تفكيك خطاب الإرهاب الإخواني قادر على اكتشاف قنوات التطرف، وخاصة أنها تفضح نفسها من خلال بثها محتوي يقوم على تزوير التاريخ، ومحاولة استعطاف الجمهور ومغازلة خيالاتهم بالحديث حول الخلافة ومستقبل العالم الإسلامي، وهو المنعطف الذي يستغله «الإخوان» كثيراً ولا يرونه إلا من خلال الحلم التركي بالعودة إلى الهيمنة على المنطقة باسم الدين.
ويأتي تعيين الإخوانية المقيمة في تركيا «توكل كرمان» في ما يسمى مجلس «حكماء فيسبوك» ضمن إطار سعي هذا التيار لفرض المزيد من الهيمنة على وسائل التواصل الاجتماعي. ونعرف جيداً مَن قام بدفع الفاتورة، لأن المرشحة للقيام بهذا الدور لا تملك سوى مؤهل الانتماء لـ«الإخوان»!

*كاتب إماراتي