في 8 مايو الماضي، عقد الاتحاد الأوروبي ومنظمة الصحة العالمية مؤتمراً دولياً للمانحين من أجل مكافحة كوفيد- 19، وتم جمع 8 مليارات. الولايات المتحدة والصين وروسيا لم تساهما بأي شيء، ما يُظهر حدود الانخراط في العمل الدولي متعدد الأطراف الذي تدعو له أصلاً بكين وموسكو. كما يؤكد من جهة أخرى، رفض الولايات المتحدة للعمل الدولي متعدد الأطراف.
والواقع أنه كثيراً ما يُشار إلى مفهوم القيم الغربية المشتركة. غير أن ثمة فرقاً كبيراً بين الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، في ما يتعلق بالعمل الدولي متعدد الأطراف. فإذا كان هذا الأخير يشكّل جزءاً من الهوية الأساسية للبلدان الأوروبية، فإن واشنطن لا تؤمن به إلا قليلاً. وبالطبع هناك تحولات مؤقتة في علاقة الولايات المتحدة مع بقية العالم، كما أن بعض الرؤساء الأميركيين أقل إيماناً بأهمية العمل الدولي متعدد الأطراف من آخرين. غير أن دونالد ترامب، ومنذ انتخابه، دفع بالأحادية الأميركية إلى حدودها القصوى. وهو ما أكد عليه مؤخراً، من خلال انتقاده منظمة الصحة العالمية، في أوج أزمة كوفيد- 19. وبالطبع هذه المنظمة ليست فوق الانتقاد، كما أنه لا شك في أن بعض إجراءاتها في حاجة للإصلاح والتحسين. وفضلاً عن ذلك، يمكن التساؤل بشأن عدم أخذ المنظمة مسافة من عملية التواصل الصينية في بداية الأزمة. غير أنه يجب الدفاع عن الإصلاحات والتحسينات التي ينبغي تبنيها من داخل المنظمة. والحال أن الحل الذي يقترحه دونالد ترامب يقوم على التهديد بوقف المساهمة المالية الأميركية في منظمة الصحة العالمية أو تقليصها، في وسط أزمة صحية عالمية غير مسبوقة.
والواقع أننا نرى جيداً أن الأمر يتعلق بهجوم منظم على كل المؤسسات الدولية، وعلى كل ما يشكّل العمل الدولي متعدد الأطراف. فقد فعلها دونالد ترامب مع منظمة اليونيسكو، ويريد الآن مهاجمة منظمة الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية... ويمكن القول إن كوفيد- 19 يمنحه حجة إضافية. والحال أنه إذا أنهت الولايات المتحدة علاقتها مع منظمة الصحة العالمية بشكل كامل، فإنها لن تعمل بذلك سوى على فسح مجال أوسع للصين داخل المنظمة، والأهم من ذلك أنها تبعث من خلال ذلك برسالة سلبية إلى بقية العالم.
وبالمقابل، قررت بلدان الاتحاد الأوروبي تخصيص مساعدة بقيمة 15 مليار دولار موجهة للبلدان الأفريقية بشكل رئيسي، من أجل دعمها في إطار الأزمة الصحية. ولا شك أن بعض الأصوات سترتفع من أجل التساؤل بشأن وجاهة هذا القرار: «ألا توجد قرارات أهم وأكثر استعجالاً ينبغي القيام بها؟»؛ «أليست لدينا نحن أصلاً احتياجات مهمة؟»؛ «وماذا عن مستشفياتنا المكتظة جداً؟»؛ «من الصعب إيجاد كمامات من أجل العاملين في قطاع الرعاية الصحية، ناهيك عن السكان. وبالتالي، فهل من الذكاء حقاً مساعدة البلدان الأفريقية، بينما النار مشتعلة في بيتنا؟» أجل، من الذكاء القيام بذلك. والواقع أن هذا الكرم يتقاطع مع مصلحتنا، ولا بد من الحديث عن المصلحة هنا: ذلك أن أوروبا من مصلحتها مساعدة أفريقيا. والحال أن «المصلحة»، الكلمة التي لا نجهر بها كثيراً، ليست من التابوهات. بل يجب أخذها في عين الاعتبار لأنها موجودة، ولأن دفاع الحكومات عن مصالحها هو شيءٌ مشروع في نهاية المطاف.
ومن مصلحة أوروبا مساعدة البلدان الأفريقية لسببين: أولاً لأسباب صحية، ذلك أننا إذا كنا لا نرغب في عودة فيروس كوفيد- 19 عندما تتخلص أوروبا منه، فإنه من الضروري مساعدة أفريقيا أيضاً على مكافحته منذ الآن، وذلك من أجل احتواء الأزمة في كل مكان، وفي الوقت نفسه تجنب أن يطول أمدها.
وثانياً لأسباب جيوسياسية. ذلك أننا نلاحظ أن الصين تبذل جهوداً ضخمة في التواصل من أجل توثيق المساعدات التي تقدمها أيضاً للبلدان الأفريقية. في هذا الموضوع، تُعد الولايات المتحدة، التي يفترض أن تكون زعيمة العالم، من أبرز الغائبين. غير أننا وفي سياق هذه الأزمة الصحية علينا أن نتحرك.
والواقع أنه من خلال مساعدتها البلدان الأفريقية، تضع بلدان الاتحاد الأوروبي استراتيجية للرد على استراتيجية الصين، استراتيجية أكثر فعالية من استراتيجية أميركا دونالد ترامب. ولا بد من الاعتراف بأن هذا الكرم الأوروبي ينطوي على مصلحة. فمن خلال التحلي بالكرم، ندافع عن مصالحنا على نحو أحسن، وهو ما لا تفعله الولايات المتحدة عندما تبين عن الأنانية. وبالتالي، يمكن القول إن الكرم أذكى من الأنانية أحياناً.