لم يكتف صندوق النقد الدولي بفرض شروط اقتصادية على العراق ولبنان، كما حصل مع مصر التي قدم لها مساعدات بقروض ميسرة آخرها قرض بقيمة 5 مليارات دولار لمواجهة تداعيات وباء كورونا، بل أضاف إليها شروطاً «سياسية» تضمن ضرورة توافق التكتلات والأحزاب في كلا البلدين، لتوفير الاستقرار وقيام حكم قادر على إدارة شؤون البلاد وتكوين اقتصاد قوي لمواجهة الأزمات، ودفع أقساط القروض المستحقة في مواعيدها.
وبالنسبة للعراق المصنَّف عالمياً ضمن الدول العشر الأولى في الفساد، سبَق لحكومة بغداد أن وافقت منذ ثلاث سنوات على شروط قاسية فرضها الصندوق، لكنه لم ينفذ التزاماته، نتيجة التوتر السياسي الحاصل جراء الاحتجاجات الشعبية المتواصلة التي أدت إلى استقالة حكومة عادل عبدالمهدي، واستمرار الخلاف بين الأحزاب حول تشكيل حكومة جديدة، حتى اضطُرت حكومة بغداد في أبريل الماضي إلى إبلاغ إدارة الصندوق وقف تسديد الديون المترتبة عليها هذا العام والبالغة نحو 10 مليارات دولار، على خلفية تدني أسعار النفط وتفاقم مشكلة كورونا. وبما أن الصندوق ليس منظمة خيرية وإنما يعطي أموالا بالأجل مقابل فوائد، فهو يفرض مصالحةً وطنيةً وتسويات سياسية، خوفا من هدر أمواله أو من أن تبتعد عن أهدافها إلى أطراف معينة، حتى أنه يشترط العدالة في توزيعها بشكل يضمن الأرضية المناسبة لتأمين موارد صحيحة لاسترجاعها. هذا مع العلم أن البنك الدولي بدوره رهن تقديم الدعم المالي للعراق بإنجاز مشاريع المصالحة الداخلية بين الأحزاب المكونة للمنظومة السياسية. ويبقى الأمل الكبير معلقاً على الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي وقدرتها على إعادة التوازن للعراق في مكوناته الداخلية وعلاقاته الخارجية، وعدم الانحياز لدولة دون أخرى، أو لأي محور على حساب آخر.
ووضع لبنان شبيه بوضع العراق، لجهة الخلاف القائم بين مكوناته السياسية والاحتجاجات الداخلية في مختلف مناطقه، والتي أُطلق عليها «ثورة شعبية» ضد الفساد. وبما أن الحكومات المتعاقبة منذ نحو 20 عاماً، لم تنجز أي برنامج إصلاحي، فقد أصبحت الإصلاحات إجبارية مع ضرورة استعادة الثقة تحت المظلة التي يمثلها صندوق النقد الدولي. وقد أدركت «مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان» أهمية توفير الدعم السياسي الداخلي كضرورة لإتمام المفاوضات، وهي تشجع الحكومة على إشراك جميع المعنيين، لاسيما الشعب، في مشاورات الخطة الاقتصادية، وسبل الإسراع في تطبيقها. لكن خلافاً لذلك، ذهبت الحكومة «منفردةً»، ومع رفض لخطتها من معظم الأحزاب والكتل السياسية والهيئات الاقتصادية، إضافة إلى اعتراضات مصرف لبنان المركزي، ووجود اختلاف كبير وتناقض بين أرقام الخسائر وعلاج المشاكل وتحقيق الإصلاحات المطلوبة.. الأمر الذي حمل وفد صندوق النقد على المطالبة بموقف موحد للوفد اللبناني، وبرؤيا واقعية تستند إلى «توافق سياسي»، وهو هدف دونه صعوبات كبيرة في ظروف تتحكم فيها خلافات حتى بين أحزاب السلطة الحاكمة. بينما تستعجل الحكومة إنجاز المفاوضات للحصول على مساعدات وقروض بنحو 10 مليارات دولار، تمهيداً لاستعادة ثقة المجتمع الدولي.
ويبقى السؤال: هل تعتبر الشروط الدولية تدخلا في الشأن السياسي الداخلي، وانتهاكا للسيادة الوطنية، وذلك بموجب المادتين الأولى والثانية من ميثاق الأمم المتحدة؟ رغم ذلك ربما يحق لصندوق النقد أن يبحث في «التسويات السياسية» لضمان موارد صحيحة تمكنه من استرجاع أمواله مع فوائدها. ويلاحظ في هذا المجال أن نفوذ إيران هو العامل المشترك المؤثر في مسيرة الإدارة السياسية في لبنان والعراق وعلاقاتهما الخارجية، خصوصاً مع تصاعد تداعيات العقوبات ضدها.

*كاتب لبناني