بينما تترك أزمة «كوفيد -19» تأثيراً عميقاً عبر المملكة المتحدة، بدأ مواطنوها طقساً جديداً، ألا وهو الخروج من العزلة الذاتية، مساء كل خميس (في الساعة الثامنة)، من أجل التصفيق وقرع الأواني، لإظهار دعمهم لأطباء وممرضي وممرضات الخط الأمامي للبلاد، في كل أسبوع تزداد أصوات الشكر قوة، تتخللها أحياناً فرقعات الألعاب النارية، لتملأ لفترة قصيرة أحياء يسودها الهدوء في العادة بأصوات شكر وتقدير، لمن هم على الخطوط الأمامية، يخوضون معركة ضد تفشي فيروس كورونا.
لكن، وبينما تحطم حصيلة الوفيات اليوم رقماً قياسياً في المملكة المتحدة بـ980 وفاة، مع توقعات تعتقد أن ذروة معدل الوفيات ما زالت بعيدة بأسبوعين، فقد تفاقمت الأزمة التي تسبب فيها حجم الوباء هنا جرّاء درجة جديدة من عدم اليقين السياسي، ففي الشهر الماضي، أُدخل رئيس الوزراء بوريس جونسون، إلى المستشفى حيث أمضى أياماً في الرعاية المركزة يحارب الفيروس، محاطاً بأطباء وممرضي النظام الصحي البريطاني الـ«إن إتش إس».
وتقول «جون»، وهي بريطانية في عقدها السادس: بينما كانت تقرع مقلاة على شرفة بيتها في غرب لندن: «لقد قضوا أسبوعاً صعباً»، في إشارة إلى موظفي القطاعات الحيوية، مضيفة: «إنهم مذهلون!»، في وقت انضم فيه حيّها الواقع على أطراف المدينة إلى أصوات الشكر.
والواقع أن المملكة المتحدة ليست الوحيدة في إظهار عرفان الجمهور لعمال القطاعات الحيوية، ولا في مواجهة حالة طوارئ صحية عامة أنشبت مخالبها في أوروبا، لا سيما إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، غير أن طلباً من الحكومة البريطانية مؤخراً إلى الجمهور، من أجل تطوع 250 ألف شخص لمساعدة الـ«إن إتش إس» على التعاطي مع هذه الأزمة، أسفر عن جيش من الراغبين في تقديم المساعدة: 750 ألف متطوع، ما تسبب في توقف مؤقت لنظام التسجيل بسبب الضغط الهائل عليه.
بيد أن الوباء وجد المملكة المتحدة في لحظة صعبة سياسياً، ذلك أنها خرجت مؤخراً من ثلاثة أعوام ونصف العام من الجمود السياسي، بسبب انسحابها الفوضوي من الاتحاد الأوروبي، ثم جاءت انتخابات ديسمبر الماضي، التي منحت جونسون وحزب المحافظين فوزاً حاسماً، فأضفت وضوحاً على تفويض «البريكست»، ورأى فيها الكثيرون خطوة أولى ممكنةً على طريق معالجة الانقسامات العميقة، التي ألمت بالنسيج السياسي والاجتماعي البريطاني.
الملكة إيليزابيث الثانية، التي اعترفت بتأثير فيروس كورونا على الحيوات اليومية للمواطنين، أثنت في خطاب نادر على «الروح الوطنية» للبريطانيين، وشكرت موظفي الـ«إن إتش إس» الذين «تقرّبنا كل ساعة» من عملهم الجاد والمتفاني «أكثر من العودة إلى أوقات عادية أكثر»، وقد دعت مواطنيه في ذلك الخطاب إلى «الحفاظ على وحدتهم وتصميمهم» من أجل التغلب على الوباء.. وحاولت إعطاء البريطانيين شيئاً من الأمل: «ولئن كنا ربما سنضطر لتحمل المزيد (من الصعاب)، فإن الأيام الأفضل ستعود.. وسنلتقي من جديد».


*صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»