هناك أكثر من سيناريو يتحكم في مسار النتيجة النهائية للحرب بين عملاقي العالم الاقتصاديين، والتي قد تؤثر بشدة على البشرية بكاملها، إذا لم تحكم السيطرة على حدة المناوشات، واتخاذ خطوات حازمة مشبعة بالعقلانية والمنطقية، وإزاحة الكثير من البنود التي تتوجب إزاحتها في سبيل إنقاذ العالم والبشرية.
وفي خضم الحالة القلقة المعيقة لحل جمعي وعاجل، لا تنفك تتعالى أصوات المحللين والخبراء، بين مؤيد ومعارض لإحدى قطبي الاقتصاد العالمي، أي الصين والولايات المتحدة الأميركية.
ورغم ورود الكثير من الآراء الداعمة للصين والمبتهجة بأمل كبير بالغد الصيني الذي سيتربع على عرش الاقتصاد العالمي، فإن كبريات القوى العالمية لن تتساهل في محاسبتها والوقوف في وجهها، لذلك بدأ بعض هذه القوى يلقي في وجه الصين تهمة «تصدير الموت» إلى بلدان العالم الأخرى، من خلال التهويل من خطورة بعض القرارات المتخذة مؤخراً، مثل فتح الباب على مصراعيه للمسافرين المغادرين من قلب ووهان، بؤرة تفشي وباء كورونا، أمام ما يقارب سبعة ملايين شخص أغلبهم اتخذ من أوروبا وأميركا وجهةً له. ومع ذلك فقد دخلت ووهان والصين ككل حقبة تعافي مفاجئة أرجعها بعض المحللين إلى القدرة التكنولوجية الهائلة التي تفردت بها الصين عن العالم، باعتبارها الأداة الأكثر متانةً والتي استندت عليها الصين في مواجهة الوباء، ومع كل ما تمتلكه الصين من أدوات، فإن هناك عوامل أخرى قد تقلب موازين المعادلة، مما يصب لصالح الصين كأكبر قوة اقتصادية في المستقبل.
وفي موازاة ذلك، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا عن الولايات المتحدة الأميركية؟ وأين موقعها من اللعبة؟ وكيف وظفت الصين قدراتها من الثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي لتتحول من بؤرة لتفشي «كوفيد -19» إلى دولة تدرس منع استقبال المسافرين القادمين من الخارج؟ وهل هناك حرب اقتصادية تختبئ بين التفاصيل متعمدةً النموذج الأميركي الذي عانت من التأخر عن معالجة الأزمة والاستعداد لها؟
لقد أقرت أميركا بديمقراطية كبيرة بعض نقاط الضعف التي قد تعاني منها، وفي ذات الوقت تكَشَف للعيان ما تحمله العديد من الدول الكبرى من هشاشة وضعف في مواجهة أزمة تفشي وباء كورونا، حتى أصبحت تنتظر هبوط الطائرات الصينية لجلب المساندات الطبية، وهو أمر تقاعس عنه الاتحاد الأوروبي حتى إزاء أعضائه المأزومين بكورونا مثل إسبانيا وإيطاليا.
إن الإقبال على التصرفات غير الموزونة، مثل إطلاق تسمية «الفيروس الصيني»، قبل التراجع عنها بعد ذلك، يبرز ضرورة الانحياز لرأي آخر يعي بأن نظرة القطبية أو التعامل مع هذه الأزمة على أساس الضدين، سيؤول لتعقيد المشكلة أكثر مما سيساعد على حلها، وهو احتمال سينعكس على البشرية كل وليس على أحد القطبين فقط، مما يحتم إنتاج تجربة رائدة مدروسة بتأنِ، مع تكريس كبريات اللجان الاقتصادية العالمية، والاستناد لاستراتيجيات الخبراء. وفي هذا السياق يمكن الولوج مباشرةً إلى ما يخفف من حدة التوتر والتدهور الاقتصادي من خلال تقديم منح نقدية للمصارف، والعمل على دعم المتضررين من أفراد وشركات، وتشجيع اتخاذ الخطوات الدافعة بمشروع «إنقاذ اقتصادي عالمي»، من قبيل إسقاط الديون على الدول الضعيفة، وتَقدُّم صندوق النقد الدولي بالمزيد من الدعم.
ولمساندة الدول بجمع المبالغ التي يتوجب توفيرها، لابد من فرض الضرائب المقننة على الفئات القادرة وعلى الاستثمارات الكبرى وعلى أبرز رجال الأعمال وعلى الرواتب الخيالية للاعبي كرة القدم.. مع الأخذ بعين الاعتبار لزوم دعم الدول النامية «الأقل حظاً».. ذلك أن خطر «فيروس الاقتصاد» لا يفرق بين دولة وأخرى في انتشاره، وهذا ما نبّهت إليه منظمة «أوكسفام» (OXFAM) العالمية سعياً منها لاجتثاث العوز والبطالة والفقر التي تضرب بجذورها مع تنامي هذه الأزمة أكثر فأكثر.
ولا شك أن هناك صوراً مزدحمة ستخلق إجابات وافية للمستقبل المنتظر للعالم بما فيه قطبي الاقتصاد العملاقين، وستُبرِز اتجاه رجحان الكفة وفيما إذا كان لصالح الولايات المتحدة التي شهدت أقوى هبوط في عملتها ونفطها، وحتى في مشروع العولمة الذي بنته لبنة لبنة، أم لصالح الصين التي أيدها أحد أبرز الكتاب الأميركيين، وهو «توماس فريدمان»، عندما قال ساخراً بأنه حتى العلم الذي يرفرف فوق البيت الأبيض «صنع في الصين»!
كل السيناريوهات السابقة، لابد من استيعابها والوقوف عندها فهماً وإدراكاً لا تلويحاً وتضخيماً، فالمطلب العالمي الحقيقي هو الوصول لحل يخفف من التصدعات الاقتصادية، واحتراماً لما يشهده العالم من وقوف أكثر من 500 مليون إنسان على حاجز هش بدأ بالانهيار ملقياً إياهم دون رحمة بين الفقر والعوز، إضافةً لما خلفته الأزمة من تداعيات وفوضى و«طعنة» في قلب البشرية التي خسرت ما يزيد عن 320 ألف إنسان!

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة