رغم كوارث أزمة فيروس كوفيد-19، إلا أنها أضافت، بل وفرضت مفاهيم جديدة للإدارة والاهتمامات الإنسانية، ففي السابق كان المصطلح المتعارف عليه، هو أن الصحة تتعلق بالسلامة البدنية والنفسية للبشر، الا ان فترة ما بعد كورونا سيتم التعامل مع هذه القضية بصورة أوسع لتشمل صحة مختلف مناحي الحياة، بما فيها صحة الاقتصاد والمعيشة، إذ اتضح أن كافة القطاعات الاقتصادية دون استثناء لا يمكنها العمل بدون الرعاية الصحية، تلك القطاعات التي أصيبت بالمرض والشلل، وبالأخص تلك التي تعتمد على كثافة الايدي العاملة، كالقطاع السياحي والنقل وتجارة التجزئة والمصارف والتي أثرت بصورة كبيرة في تدني بقية القطاعات، بما فيها الطاقة والخدمات.
مثل هذا التحول النوعي سيفرض على كافة الدول تخصيص موازنات كبيرة للقطاع الصحي، باعتباره مسؤولاً عن استمرار الحياة بكل مكوناتها البشرية والمادية، بدليل أن الجمود الاقتصادي الحالي في العالم بانتظار إشارة العودة من القطاع الصحي الذي يبذل جهوداً غير مسبوقة لفتح الإشارة الخضراء للسفر والسياحة والنقل والبنوك والتجارة وبقية مكونات الأنشطة الاقتصادية لإنقاذ الأوضاع من التدهور وتوفير مستلزمات الحياة الأساسية بعد أن امتدت طوابير الجوعى لتشمل بعض البلدان الصناعية المتقدمة بسبب فقدان الوظائف والشلل الذي أصاب مرافق الإنتاج والخدمات.
لذلك، فإن تعافي أية دولة صحياً واقتصادياً سيعتمد على مدى قدرة ومرونة قطاعها الصحي في معالجة تداعيات كورونا وإعادة تهيئة بنيتها للتعامل بنجاح مع هذه التداعيات، مما سيعد مكسباً إنسانياً واقتصادياً لهذا البلد أو ذاك، حيث يتوقع أن تتمكن دول مجلس التعاون الخليجي من الانضمام إلى البلدان التي ستخرج من الأزمة بسرعة نسبية، وحل هذه المعضلة على الرغم من السلبيات التي تمخضت عن وجود أعداد هائلة من الأيدي العاملة الأجنبية، والتي يصعب عليها فهم ضرورة اتباع الإجراءات الوقائية، إلا أن الاستثمارات الهائلة في القطاع الصحي في دول المجلس والإجراءات المشددة التي اتبعتها ستساهم بصورة ايجابية في سرعة التعافي.
والحال، فان تعامل دول المجلس مع هذه الجائحة كان استثنائيا حتى بالمقاييس الدولية، ففي بداية الأزمة طبقت في المطارات الخليجية إجراءات صحية صارمة لم تطبق بعد في الكثير من بلدان العالم، فبعد الفحوصات الطبية، بما فيها اختبار كوفيد19 يطلب من جميع الركاب الالتزام بالإجراءات الاحترازية لتجنب العقوبات المشددة في حالة الخروقات، كما أنه لا يمكن للمسافر الخروج من بوابة الجوازات دون شهادة تثبت خضوعه للفحص الطبي الشامل في المطار، إذ عممت هذه التجربة في ما بعد بمعظم بلدان العالم.
ما يلفت النظر، تلك التضحيات الكبيرة والشجاعة للأطقم الطبية، ففي أحد المرات أراد أحد الأشخاص الاستفسار من أحد أفراد الطاقم الطبي، فطلب منه بكل لباقة الانتظار حتى يأتي بنفسه إليه لأنه كان يتحدث مع عائلة مكونة من أربعة أفراد. بعد الانتهاء جاء إليه قائلاً أعتذر فهذه العائلة تظهر عليها أعراض كورونا ولا أريدك أن تقترب منها! إذ لا يمكن تصور نكران الذات والتضحية لشخص يعرض نفسه للخطر، مقابل إبعاد الآخرين عنه.
بفضل هذه الأعمال الشجاعة للطواقم الطبية، فإنه يمكن القول وبثقة، بأنهم سيتمكنون دون شك من المساعدة في سرعة تجاوز التداعيات الخطيرة لكوفيد19 والذي سيتيح بدوره إعادة تأهيل الأوضاع من جديد ليس لصحة الإنسان فحسب، وإنما لصحة القطاعات الاقتصادية وعودة أنشطتها.
يبقى أن يقدم المجتمع بكافة فئاته الشكر والعرفان للطواقم الطبية الشجاعة والمتفانية وللمتطوعين مع قبلة على جبين كل منهم، تلك التضحيات التي بلغت حد التضحية بالحياة، مما يتطلب في دولنا خاصة تكريمهم معنوياً ومادياً للتعبير في أبسط صور الوفاء للأطقم الطبية التي لها منا جميعا كل محبة وتقدير.