مهما اُختلف أو اُتفق على الرئيس ترامب، إلا أنه يبقى ظاهرة سياسية غير مسبوقة، ويعد دخوله في مواجهةٍ مباشرة مع ثاني أهم منصاته السياسية بعد البيت الأبيض وهي «تويتر»، تحولاً غير مفهوم في قواعد الاشتباك حتى من قبل هذا الرئيس، منازلة «تويتر» والصين في آن واحد يذكرنا بإدارة الرئيس نيكسون، فهو اختار مسارين مختلفين في احتواء الصين والاتحاد السوفييتي، إلا أن ازدراءه للإعلام قد كان أحد أكبر إخفاقاته السياسية، فإنْ اختار الرئيس ترمب مسار التصعيد مع «تويتر» الآن، فقد يجد نفسه كسابقه أمام المحكمة العليا، بعد قرار نيكسون منع نشر أوراق فيتنام.
خلال مؤتمره الصحفي، الجمعة الفائت، فضّل الرئيس تجاهل الإعلام كلياً، وكذلك تطورات الانفلات الأمني، وأعمال الشغب الناجمة عن مقتل «جورج فلويد» على يد الشرطة بشكل بشع في مدينة مينابولس، بل فضّل حتى عدم التطرق لمستجدات ملف كورونا، وكانت الصين والموقف من تعدياتها على الملكية الفكرية هو ما جاء الرئيس للإعلان عنه، إلا أن الفيل الذي كان في حديقة البيت الأبيض حين ذاك، كانت علاقة الرئيس بالإعلام حتى عندما قرر اعتماد فصاحة خطابية غير مسبوقة في قاموسه السياسي.
تحمُّل الآخر وقبوله هو مبدأ أصيل من المبادئ التي قامت عليها الجمهورية، بل إن ترامب عزز ذلك الثابت عندما أدخل كل متابعيه على تويتر لمطبخ صناعة القرار الرئاسي، لدرجة اطلاعهم على سياسات كبرى لم يُطلع عليها حتى خاصته من وزرائه، وها هو الآن يجد في «تويتر» خصماً غير تقليدي، فهو لا يستطيع إسكاته كما يفعل مع الصحفيين في البيت الأبيض، وهو ليس صاحب الكلمة الأخيرة في هذه العلاقة الافتراضية، وبمعايير الرئيس ترامب، ذلك يتعارض والمفاهيم التي تقوم عليها رئاسته «أنا الدولة، أنا الجمهورية»، وإذا فشل الطرفان في التوافق على احتمال الآخر، فنحن مقبلون على منازلة من غير قفازات.
تلويح الرئيس بإصدار تشريع يحد من سيطرة المنصات الافتراضية مثل «تويتر» على ما ينشره الأشخاص (ما ينشره الرئيس)، في حين تدعي إدارات هذه المنصات أنها تتدخل بالحذف أو تجميد بعض الخصائص، عندما يكون المحتوى تحريضياً أو يدعو إلى كراهية، وذلك تحديداً ما فعلته إدارة «تويتر»، عندما جمدت خاصية إعادة التغريد أو التفضيل في تغريدة على حساب الرئيس، وبحسب «تويتر»، حرض الرئيس صراحة على العنف في ما يخص التعامل مع أعمال الشغب في مدينة مينابولس.
وإذا قرر الطرفان التصعيد، فإن قاعة المحكمة العليا الدستورية ستكون مسرحاً لذلك النزال المرتقب، حتى وإنْ لم تكن هذه هي المرة الأولى لهذه الإدارة، إلا أنها ستعيدنا بالذاكرة للجولات التي خاضتها إدارة الرئيس نيكسون، عندما حاولت وقف نشر ما اُصطلح على تسميتها حينها «أوراق فيتنام»، وفشلها لاحقاً وقف النشر في قضية «ووترغيت»، تاريخ الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة يؤكد وقوفها مع حرية الرأي في غالبيتها شرط عدم تجاوز أحد مبادئ الآباء المؤسسين، ويعتبر الإعلام السلطة الرابعة حسب مبادئ الجمهورية، فهل سيقرر الرئيس مواجهة الصين، وكورونا و«توتير» في آن معاً، في حين أن خصمه «الديمقراطي» جو بايدن، يحقق المزيد من التقدم في العديد من الولايات الرئيسية، يبدو أننا مقبلون على فصل صيف ساخن، في حال تواصل انحسار كورونا المستجد، لينشغل العالم بأكثر من أمر، أهمهما موقف ترامب من الصين و«تويتر».
*كاتب بحريني