الاحتجاجات الغاضبة التي انطلقت في الولايات المتحدة الأميركية بشكل لافت ومتصاعد ومثير، بعد مقتل المواطن الأميركي من أصل أفريقي «جورج فلويد»، يوم الخامس والعشرين من شهر مايو المنصرم، بطريقة قاسية وبشعة، لا زالت تداعياتها مستمرة ومتصاعدة وغاضبة، ومنتشرة في كثير من مدن الولايات المتحدة.
وقد توسعت المظاهرات بشكل لافت للنظر، لتشمل كثيراً من الأميركيين، بيضاً وسوداً، ومن وكل القوميات والأديان والمذاهب والأعراق والولايات والمدن والأرياف.
وربما يكون انفجار هذه الاحتجاجات الصاخبة، بعد مقتل الأميركي ذي السحنة السوداء على يد شرطي أميركي أبيض اللون، مبرِّراً للدفاع عن العدالة والإنسانية، لأن القتل تم بطريقة مثيرة ضد شخص أعزل لم يقاوم، حيث يقال أيضاً إن من 3 إلى 4 من المواطنين الأميركيين السود يُقتلون يومياً على يد الشرطة ورجال الأمن لأسباب مختلفة، لكن لم تهتز أميركا كلها كما اهتزت لمقتل فلويد، باعتباره شخصاً أعزل، وقتله يمثل جريمة مدانةً وفق كل الأنظمة والقوانين والشرائع والأديان والأعراف، وغير مبررة تحت أي ذريعة.
وقد شكلت واقعة مقتل فلويد الشرارة الأولى، التي منها انطلقت المظاهرات والاحتجاجات وأعمال السلب والنهب والتخريب في المدن والأحياء الأميركية، وضد كثير من المحلات والمجمعات التجارية.
وقد جاءت ردود الأفعال بهذا الشكل المخيف والمرعب، ربما كتداعيات متراكمة في العقل الباطن للمتظاهرين منذ فترة، وأثَّرت فيها على نحو أجواء جائحة كورونا، التي قتلت في أميركا قرابة 110 آلاف شخص، وأصابت نحو مليونين آخرين، ووضعت البلاد كلها تحت الحجر الصحي، في انتظار إيجاد علاج أو مصل مضاد لهذا الفيروس، الذي أرعب العالم كله بما فيه الولايات المتحدة، التي وقفت عاجزة ومذهولة أمام جائحة «كوفيد -19»، ومثلها العالم الذي كان ينتظر قدوم الفرج والإنقاذ منها، بعد أن اعتبرها الدولة العظمى «القادرة على كل شيء».
ولعل ذلك العجز كسر حاجز الخوف عند المتظاهرين أنفسهم، والذين هم أصلاً متوترون ومتشنجون ومحتقنون بسبب الفقر والبطالة.. حيث يوجد الآن في الولايات المتحدة 40 مليون عاطل عن العمل، فضلاً عن حالة الركود الاقتصادي والتراجع المالي الذي عمّ العالم، بسبب ما فرضته الجائحة من توقف للأعمال والأنشطة التجارية والاقتصادية والخدمية والإنتاجية في معظم أنحاء الكرة الأرضية.
وهكذا، فقد اجتمعت كل هذه التداعيات والأسباب والمبررات، لتدفع المتظاهرين إلى جعل «فلويد» رمزاً أسطورياً، بعد أن قُتل بطريقة بشعة، فأصبح مقتله طاقة غضب واحتجاجاً في كل مناطق الولايات المتحدة، وعلى نحو هيستري صاخب ضد سياسة الرئيس ترامب، الذي يتهيأ لخوض انتخابات رئاسية قادمة، رغم أنه لا يواجه خصماً قوياً ذا كاريزما يمكن أن يعيقه أو يهدد مساعيه لنيل ولاية رئاسية، إلا أن الأحداث الساخنة المتتالية، سوف تكون الأقوى والأشرس أمام ترامب، الذي لم يستطع إدارة دفة الأزمة بعقلانية وإخمادها في مهدها، بل حاول كتمها كما تم كتم أنفاس الرجل الأسود حتى فارق الحياة، مما فجر الأزمة وأشعل نارها لكي يتنفس الجميع!

* كاتب سعودي