لدى اندلاع المظاهرات في أميركا في 26 مايو الماضي، إثر مقتل جورج فلويد، الأميركي من أصول أفريقية، في مدينة منيابوليس بولاية مينيسوتا، لم يكن متوقعاً اتساعها وانتقالها إلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، إلى بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وأستراليا.. بشعارات مختلفة، لكن دافعها الأساسي مظاهرات أميركا، وهو ليس مستغرباً، إنه أمرٌ طبيعي، فوقوع أي حدث في أميركا، أياً كانت طبيعته، ينتقل بالضرورة عبر المحيط إلى سائر دول العالم، فأميركا بالمعنى السياسي والاقتصادي، تشكّل اليوم بالنسبة للعالم، إقليم قاعدة. ومفهوم لدى الأغلب، ما يترتّب على أي حدث يقع في الإقليم القاعدة، سلباً كان أو إيجاباً، من تداعيات يظل توقّفُها مرهوناً بأحداث النقطة الأساس، ونتذكر الأزمة المالية عام 2008 التي عصفت بأسواق المال العالمية، وكان تأثيرها الأشد في الاقتصادات الناشئة.
بعد أيام قليلة على الحادثة المستنكرة، انطلقت الاحتجاجات وسط جملة من التحليلات والتساؤلات الكبيرة والأحكام، امتلأت بها وسائل الإعلام، وحتى المنجمون دخلوا على الخط، ليتنبأوا بأن (عام 2020 هو عام انهيار الإمبراطوريات)، الإشارات واضحة، المضمرة والمعلَنة، تشير إلى أميركا، وحدثها المتنامي، دون تمييز بين نخبة سياسية تقبض على القرار في واشنطن دي سي، وبين الأمة الأميركية العظيمة.
ومن جانبه، اتهم الرئيس ترامب جهات بالوقوف وراء الحدث، وقال: «اتفقت فيما بينها»، اليسار الأميركي، الحزب الديمقراطي، كوفيد -19، حركة انتيفا، الإسلاميون.. واللافت أن ثمة من شبّه الحدث الأميركي بـ«الصيف الهندي»، الذي يأتي مشمساً في أواخر الخريف، لتعقُبه فجأةً عواصف الشتاء المدمِّرَة، آخرون كانت لهم تفسيرات لمّاحة، فشبّهوا أميركا بـ«بيضة فابرجيه» التي كان يتهاداها الأباطرة الروس، فهي قابلةٌ للكسر، ومن هؤلاء توماس فريدمان، كاتب «نيويورك تايمز»، الذي كتب في اليوم التالي لانتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، في 9 نوفمبر 2016، ما يلي: «قال لي صديقي ليزلي غولدفاسر، الذي جاء من زمبابوي إلى أميركا في الثمانينيات: أنتم أيها الأميركيون تدورون حول بلدكم كأنها كرة قدم، لكنها ليست كرة قدم، إنها بيضة فابرجيه، يمكنك كسرها، مع انتخاب ترامب رئيساً لدي خوف أكثر من أي وقت مضى خلال 63 عاماً، من أن نفعل ذلك، أي كسرُ بلادنا، بحيث نصبح منقسمين بشكل لا يمكن إصلاحه (..) عمري الآن 66 عاماً وقد تحققت مخاوفي، وأسوأ من ذلك، لست متأكداً من أننا سنتمكن من إجراء انتخابات حرة ونزيهة في نوفمبر، أو إجراء تبادل سلمي للسلطة الرئاسية في يناير، نحن نتجه إلى حرب أهلية ثقافية (..) لسنا محظوظين: إبراهيم لنكولن ليس الرئيس».