عندما سألني طلبتي في الدراسات العليا عن رأيي العلمي في تجربة التعليم عن بُعد، كان تعليقي صادما لهم فقد لخصت إجابتي في المثل الإماراتي الذي اخترته عنواناً لمقالي، «الشيص» هو تمر النخل الجاف غير الملقح الذي لا يؤكل عادة، لكن لو لم تجد غيره في «الغبة» وهي أعماق البحار لأكلته. ويضرب المثل في الرضا بأفضل المتاح عند الضرورة.
لو خُيرت بين أن يكون التلاميذ دون دراسة أو الدراسة عن بُعد لكان جواب كل عاقل أن الدراسة عن بُعد هي الخيار الأفضل، وهذا ما قامت به جل دول العالم خلال أزمة كورونا، بيد أن البعض بدأ يناقش جدلية أن يكون التعليم عن بُعد هو الأساس حتى في الأحوال الطبيعية، ولنا مع هذا الرأي وقفات.
الوقفة الأولى أن هذا النمط من التعليم لا يحقق نتائج إيجابية في مراحل التعليم الأولى من رياض الأطفال حتى الصف الخامس، وقد يحقق بعض النتائج في المراحل المتقدمة، لك أن تتصور أن يبدأ الطفل سنته الأولى في رياض الأطفال عن بُعد، من سيعلمه السلوكيات الصحية؟ وكيف سيتعلم مبادئ القراءة والكتابة عن بُعد!
الوقفة الثانية، أن نجاح تجربة التعليم عن بُعد التي مررنا بها خلال أزمة كورونا كان مرتبطاً بعمل أولياء أمور الأطفال من البيت، وبحسن مشاركتهم في تعليم الأطفال وبالذات الأمهات اللائي بذلن مجهوداً يشكرن عليه، لكن لك أن تتصور أن الأم والأب خارج المنزل للعمل، ونطلب من الأطفال التعليم عن بُعد.. إنها مهمة شبه مستحيلة.
الوقفة الثالثة، هل ستتعالج عند طبيبٍ تعلم عن بُعد؟ هذه هي الجدلية الواضحة في التعلم عن بُعد أنه لا يصلح حالياً لكل التخصصات وبالذات التطبيقية منها كالهندسة والطب مثلاً.
الوقفة الرابعة، مرتبطة بنظام التقويم عن بُعد ومدى قياسه لجودة ما تعلمه الطفل، رغم تدخل كاميرات المراقبة، لكننا نعرف أن بعض أولياء الأمور هم من كان يؤدي في حقيقة الأمر الواجبات بل حتى بعض الامتحانات، فهل هذا يعبر بصدق عن أداء الطفل؟
وأخيراً.. هل المدرسة لتعليم المواد الدراسية فقط، القصد من المدرسة التربية قبل التعليم، ولا يتربى الإنسان افتراضياً، لأنه بحاجة ماسة للتعايش مع البشر كي تتطور جوانبه الاجتماعية والنفسية والقيمية، فيعيش معنى الربح والخسارة، ويتعلم كيف يتصرف عند الرضى أو الغضب ويتربى على الأخلاق والقيم خلال القدوة التي يتعايش معها من أقرانٍ ومعلمين.
كل ما سبق لا يعني أننا نرفض أن يكون لأدوات التعلم عن بُعد مكانة من المدرسة، فالتعليم بعد كورونا لن يكون كما عهدناه، فهناك دروس كثيرة تعلمناها وينبغي الاستفادة منها. ستكون هناك مدارس افتراضية لمن لا يستطيع التعلم في المدارس الحقيقية. ستتطور لدينا مناهج افتراضية رديفة يتعلم خلالها الطفل ما فاته من المدرسة، وبالإمكان تقصير اليوم الدراسي بتحويل بعض المواد الى هجين Blended تجمع بين الدرس الواقعي والافتراضي وبالأسلوب نفسه سيكون العام الدراسي أقصر، ونحن بحاجة لذلك مع اشتداد الحرارة في فصل الصيف.
*أكاديمي إماراتي