من الصعب جداً تقدير الخسائر الهائلة لما يسمى بـ«الربيع العربي» قبل عشرة أعوام، إلا إنها خسائر كارثية أعادت الدول التي شملتها عشرات السنين إلى الوراء، حيث تقدر العديد من المصادر حجم هذه الخسائر بتريليون دولار، وهو ما يساوي 37% من إجمالي الناتج المحلي للدول العربية في عام 2019 البالغ 2.7 تريليون دولار وفق المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، مما يعني أن كل من ساهم في الدعوة والتحريض قد ارتكب جريمة أدت بالإضافة إلى التدمير الاقتصادي إلى مليون قتيل وعشرة ملايين لاجئ.
من خلال متابعة التطورات الجارية حالياً يبدو للأسف أن نفس القوى تُحضر وبنشاط ملحوظ لجولة أخرى من «الربيع العربي»، حيث يمكن ملاحظة ذلك من خلال، أولاً الحملات الإعلامية التحريضية المكثفة التي تقودها محطة تلفزة مثيرة للاضطراب، وثانياً توثيق التعاون والتنسيق بين «محور الشر» في المنطقة، وأخيراً دعم المرشح «الديمقراطي» للرئاسة الأميركية جو بايدن، باعتباره استمراراً لنهج الرئيس أوباما الذي تبنت إدارته هذا الدمار.
الجولة التي يتم التحضير لها تستهدف هذه المرة دولا بعينها،  مثل مصر والسودان، فهذه الدول، بالإضافة إلى  السعودية والإمارات والكويت  شكلت في الجولة الأولى مركز الثقل لحماية المصالح العربية ووقف التدمير والمحافظة على المكاسب التنموية، وإعادة وضع قطار التنمية من جديد على مسار النمو والتقدم.
التساؤل المهم يتمحور حول مدى إمكانية نجاح الجولة المزمعة في تحقيق أهدافها التدميرية؟ الجواب باختصار لا آفاق! وذلك للأسباب التالية، أولها تغير الظروف الموضوعية والذاتية بفضل الفجوة الزمنية بين الجولتين الأولى وتلك التي يحضر لها، والتي تتجاوز عشر سنوات اتضحت خلالها الكثير من الحقائق وانكشف المستور وانتهت اللعبة! فشعوب البلدان المستهدفة لا تريد أن ترى نفسها مشتتة ولاجئة، كما هو حال السوريين والعراقيين واليمنيين والليبيين، إذ تحولت هذه الدول، بالإضافة إلى تونس ولبنان إلى دول فاشلة.
ثانياً: لم يعد الممول الرئيسي لـ«الربيع العربي» يتمتع بنفس القدرات المالية السابقة، فحليفاه الإقليميان يستنزفانه يومياً، وهو غير قادر على عدم تلبية طلباتهم، التي لا تنتهي.
ثالثاً: تعاني الجهات التي وقفت مع «الربيع العربي» من أزمات اقتصادية وارتفاع كبير في معدلات التضخم والبطالة، أدت إلى تذمر شعبي واسع يخبئ تحته غضبا عارما، كما أن هذه الجهات لا تتمتع بالترحيب لدى شعوب البلدان المستهدفة، بل إن هناك عدم ود تاريخي بسبب طموحاتها التوسعية. رابعاً فقدت القوى المنفذة للأجندة، وبالأخص«الإخوان» ومناصري الولي الفقيه والقوى اليسارية قوة دفعها في الشارع العربي، وفقدت مصداقيتها لارتباطها بقوى أجنبية تسعى إلى تدمير الدول العربية.
أخيراً لا توجد ضمانات بفوز «جو بايدن»، وحتى على افتراض أنه تمكن من الفوز، فإنه ليس بالضرورة أن تكون سياساته مطابقة تماماً لسياسة أوباما، علما بأن الدول المستهدفة على علم الآن بتوجهات الحزب «الديمقراطي»، كما أنها قامت خلال السنوات العشر الماضية بنسج تحالفات متعددة مع قوى عالمية كبرى، مما يمنحها مرونة لم تكن متوفرة قبل عقد من الزمن. والأهم من كل ذلك أن مصر تحقق واحداً من أعلى معدلات النمو في العالم. أما السودان، فإنه في الطريق إلى السير على الخطى التنموية المصرية.
لذلك، لا تتوفر عناصر النجاح للربيع المزمع وعلى الممول الرئيسي أن يحافظ على ما تبقى له من أمواله، وذلك بدلا من تبديدها على أوهام العظمة، أما القوتان الإقليميتان فعليهما معالجة أزماتهما الاقتصادية المستعصية، في حين أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات وستتبع مصالحها بغض النظر عن من سيفوز في الانتخابات القادمة.
*مستشار وخبير اقتصادي