أن تصبح دولة الإمارات رمزاً عالمياً للتسامح، وقطباً من أهم أقطاب نشر هذا الخلق الإنساني القويم وتعزيزه، واتخاذه أساساً للعلاقات بين أبناء الجنس البشري، إنجاز لم يأت من فراغ، ولا من قبيل المصادفة، وإنما هو نتيجة طبيعية ومستحقة لما تتصف به القيادة الرشيدة من حكمة وحنكة، وما تحمله من قيم سامية، وما تبذله من جهود لإعلاء خلق التسامح والعمل به، وما يتصف به شعب الإمارات من كريم الطبائع وجميل الصفات، وفي مقدمتها لين الجانب، وإبداء المودة تجاه الآخرين.
وهذا النهج ليس جديداً في مسيرة الإمارات، فهو ممتد من عهود الآباء والأجداد الذين تميزوا بفطرتهم السوية وسجاياهم النقية، إلى الأبناء والأحفاد الذين تمسكوا به، ورفضوا أي إخلال بثوابته رغم متغيرات العصر ومستجدات التقنية، واضطراب المعايير لدى الكثيرين وربطها بالمصالح والمكتسبات، إذ بقي أحد الركائز الأساسية للشخصية الإماراتية، وسمة لا تفارق إنسان هذا البلد الطيب، الذي تعامل مع مختلف الجنسيات والأعراق واللغات والأديان من شتى بقاع الأرض ودول العالم، وتفاعل معها وأثّر فيها وتأثر بها، ولم تسجل في حقه يوماً تجاوزات ولا مخالفات لقناعاته وقيمه وقواعده في التعامل مع الآخرين بكل مودة واحترام.
لقد كان مؤسس دولة الإمارات وباني نهضتها، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، مؤمناً بقيمة التسامح، ورمزاً من رموزها، ورائداً من روادها، وهو ما جسدته رؤاه وسياساته، «رحمه الله»، في الانفتاح على العالم بثقافاته ومعتقداته المتنوعة، وترحيبه بكل قادم إلى الدولة، وإتاحته الفرصة لكل من ينشد العيش الكريم والأمن والطمأنينة للإقامة فيها، والمشاركة في مسيرة التنمية والازدهار، ومدّه يد العون والمساعدة والمساندة لأمم الأرض وشعوبها، ووقوفه إلى جانب كل محتاج ومنكوب وإغاثته للملهوف، دون اعتبار لأي معايير سوى معيار الإنسانية واحترامها، وصون النفس البشرية، وحفظ كرامتها.
وعلى خطى الوالد المؤسس، سارت القيادة الرشيدة للدولة في نبذ العنصرية والكراهية والضغينة وتجريمها، من خلال سن التشريعات لمكافحة هذه الآفات النفسية والأخلاقية الخطيرة، التي تشكل معاول هدم للقيم، وعنصراً من عناصر تخريب المجتمعات، وحرصت على تعظيم أهمية الانفتاح على الآخر وقبوله والتفاعل معه، وتعزيز العلاقات مع دول العالم وشعوبه، والعمل الدؤوب وبلا كلل أو ملل، لتحقيق التقارب والتلاقي بين أبناء البشرية على قواعد الأخوة والتعاون وإفشاء المودة والسلام، مستلهمةً كل ذلك من التعاليم السمحة للدين الإسلامي الحنيف، التي ترفض التباغض، وتدعو إلى التعاون بين الناس على البر والخير، وتنهى عن التعاون على الإثم والعدوان.
كثيرة هي المبادرات التي تبنتها دولة الإمارات لنشر وتعميق قيم التسامح، والانفتاح على الثقافات والشعوب، والتركيز عليها لدى أجيال الحاضر والمستقبل، فمن عام التسامح الذي أطلق على العام الماضي «2019»، إلى إطلاق برنامج وطني لهذا الغرض، واستحداث منصب وزير دولة للتسامح، كل ذلك بهدف ترسيخ مكانتها لتصبح عاصمة عالمية، وحاضنة دائمة لهذه القيمة العظيمة، وموئلاً لها تلتقي فيه الحضارات لتعزيز السلام والتقارب لما فيه خير الإنسانية وسعادتها، وهو ما تحقق بالفعل واقعاً نعيشه اليوم، ونلمس آثاره ونتائجه على الصعيدين الداخلي، عبر احتضان الإمارات لمقيمين ينتمون إلى أكثر من 200 جنسية، وتحولها إلى مركز عالمي لإطلاق مبادرات الإخاء والتعاون والتكاتف، والخارجي من خلال ما حققته الدولة في مجال بناء شبكة علاقات دبلوماسية مع معظم دول العالم على قواعد الاحترام المتبادل والتعاون المثمر، وما يحظى به الإنسان الإماراتي من احترام وتقدير وترحيب حيثما حل أو ارتحل.
في كلمته، التي افتتح بها الملتقى الافتراضي «الحكومة حاضنة للتسامح»، أكد معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح، أن الإمارات وهي تعزز هذه القيمة، وتدعم التعايش والتنوع، تقدم نموذجاً عالمياً رائداً للمجتمع الناجح، وهو حق مستحق لوطن آلى على نفسه أن يكون دائماً مفتاحاً للخير، وقلباً ينبض بالود، ويداً تمتد بالعطاء.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.