أظهرت إحصائيات أن عدد الإصابة بفيروس كورونا في حالة ازدياد حيث تجاوزت 8 ملايين إصابة حول العالم، ما أوجد حالة خوف عام من انتقال العدوى، وللتخفيف من ظاهرة الخوف، اتجه الفنانون من جميع أنحاء العالم إلى المنصات الرقمية لتضفى على الجماهير أجواءً من التسلية والمواساة. وبعدما أعلن عن حظر التجول بسبب تفشي فيروس كورونا، واجه القطاع الفني الكثير من التحديات في صناعة الموسيقى وعلى إيرادات الفنانين في كافة أنحاء العالم. ولكنها لم تشكل عائقاً يثبط من نشاطهم. فعلى الرغم من توقف وتأجيل الأنشطة الموسيقية كالحفلات والمهرجانات هذا العام، إلا أن أنشطة الفنانين لم تتوقف عن بث الرسائل إيجابية على مدار الساعة عبر المنصات الرقمية. اختار عازفون وهواة الغناء، تقديم معزوفات موسيقية ووصلات غنائية عبر شبكة الإنترنت تحمل شعار «خلك في البيت»، لحث الجمهور العام على البقاء في منازلهم حفاظاً على الصحة العامة والحد من انتشار الفيروس، وهو ما لاقى استحساناً ومتابعة جماهيرية من مختلف شرائح المجتمع. وفي دولة الإمارات توحد أبناء المجتمع بأداء النشيد الوطني، وأقام «بيت العود العربي» و«المجمع الثقافي» حفلات ومشاركات فنية عبر منصات الرقمية لرفع معنويات وتسلية الجمهور. وتحدياً للظروف الراهنة أطلقت الفنانة إيمان الهاشمي حملة تحت شعار (محبة من الإمارات إلى كافة بلدان العالم)، وهي عبارة عن اشتراك 50 فناناً يعزفون يومياً  مقطوعات موسيقية ويهدونها من أرض الإمارات إلى العالم.
هناك شريحة من الفنانين تحدّت فيروس كورونا بالغناء والعزف من شرفات منازلهم، حيث تفاعل أبناء الحي مع تلك المبادرات الإنسانية،  وابتكر الإيطاليون حفلات عزف على الأسطح والشرفات وفي الشوارع.‏ وكانت وسيلة مبتكرة لمحاربة الطاقة السلبية والخوف المرضي المتفشي في إيطاليا ولمواساة لذويهم الذين لقوا حتفهم جراء فيروس كورونا.  وشاهدنا في وسائل التواصل الاجتماعي كيف تفاعل سكان الحي مع هذه المبادرات الإنسانية، ثم انتشر عزف الشرفات بعد ذلك في كافة أنحاء الدولة الأوروبية،  كما  انتشر الغناء في المستشفات لرفع معنويات المصابين بعدما عجز الأطباء عن إيجاد مصل دوائي لعلاج فيروس كورونا.
وقام عدد كبير من الفنانين بإحياء حفلات من دون جمهور، ففي إسبانيا -التي تقدر وفياتها جراء كورونا بحوالي 30 ألف وفاة-  أقام عدد من الموسيقيين ‏بالتعاون مع لاعبي كرة القدم مهرجاناً تحت شعار «معاً لمكافحة كورونا»، بمشاركة 20 فناناً موسيقياً، وهم أليخاندرو سانز ودافيد بيسبال وأيتانا و‏سيباستيان ياترا وأنطونيو وروزكو، لجمع الأموال من أجل شراء مستلزمات طبية لتزويدها للمستشفات.
وفي الكثير من البلدان العربية نُظمت حفلات من دون جمهور، ولكن تلك الحفلات تأثيرها لم يكن بنفس درجة وقوة الحفلات التي يتم التواصل فيها  مباشرة  بين الفنان والجمهور، حيث شكلت صدمةً لبعض الفنانين لعدم رؤيتهم جمهورهم الذين اعتادوا على التفاعل معهم عبر التصفيق والغنى والتحفيز. وحينما أقيم حفل في القاهرة بمناسبة أيام عيد الفطر المبارك، شارك فيه الفنان محمد منير،  بكى على غياب جمهوره، وهو يكرر كلمة «يا ناس، يا ناس» أثناء أدائه أغنية «حدوته مصرية». في الواقع لا تشابه بين فضاء العروض الحية والمنصات الرقمية. ولكنها الفرصة الوحيدة المتاحة أمام جميع الفنانين. وكلها وسائل لتخفف من قيود التي فرضتها علينا الأزمة الصحية. يمكن القول إن الموسيقى نجحت بامتياز في بث رسائل إيجابية، وتحدت جائحة كورونا بنشر الأمل من جديد. واستطاعت أن تُعبر عن تماسك وتضامن مجتمعي في مواجهة أزمة الفيروس بالرقص والضحك والعزف والغناء.
* كاتبة وأكاديمية وعازفة.