تبدأ سنوات المراهقة مع انتهاء مرحلة الطفولة والدخول في البلوغ الجنسي، وتنتهي مع بداية سن المسؤولية القانونية، والتي غالباً ما تكون في الثامنة عشرة. ويُشكل أفراد هذه الفئة العمرية حالياً، أي المراهقين والمراهقات، جزءاً كبيراً من المجتمعات البشرية، يصل في بعض البلدان إلى أكثر من ثلث السكان.
وتتميز هذه المرحلة بتغيرات هرمونية وبيولوجية كبرى، تترافق بتطور واضح في نمو المخ وفي القدرات الذهنية. كما تتصف مرحلة المراهقة بنمط سلوكي خاص، يميل فيه المراهق إلى الرغبة في قضاء وقت أطول مع أصدقائه، بدلاً عن عائلته وأهله، كنوع من التحضير الاجتماعي لحياة البالغين، التي سيلتقي فيها ويتعامل خلالها مع عدد متزايد من الغرباء.
وكنتيجة لهذه التغيرات العميقة متسارعة الخطى، تعتبر فترة المراهقة فترة حرجة شديدة الحساسية، تترك بصمتها على الصحة العقلية وعلى السلوك مدى الحياة، وتزداد خلالها احتمالات التعرض لمشاكل الصحة العقلية، وللاضطرابات النفسية، والتي قد تلازم المرء طيلة رحلة حياته.
حساسية هذه المرحلة، والتبعات طويلة المدى للعوامل الخارجية المؤثرة، تثير المخاوف لدى الأطباء والمتخصصين من آثار التباعد الاجتماعي على المراهقين بسبب وباء الكورونا الحالي، وخصوصاً تراجع وفقدان التواصل المباشر - وجهاً لوجه - مع أقرانهم وأصدقائهم، على حسب ما نشر في العدد الأخير من إحدى الدوريات الطبية المتخصصة في صحة الأطفال والمراهقين (The Lancet Child & Adolescent Health).
الحرمان أو الفقدان أو الفقر الاجتماعي يزيد من التوتر والقلق السلوكي ويقلل من قدرة المخ على التعلم.
وحسب أبحاث أجريت على الحيوانات، يبدو أنه يؤثر سلباً على الذاكرة، وهو ما يرد إلى فقدان خبرات التعلم الاجتماعي (Social Learning)، الذي تمنحه تجارب التفاعل والتواصل الشخصي اليومي المباشر.
ورغم أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التكنولوجية، قد يخفف من آثار التباعد التي فرضها الوباء الحالي، فإن المخاوف من التبعات الدائمة وطويلة المدى على الصحة النفسية للمراهقين، دفع المتخصصين والأطباء إلى مطالبة الحكومات بإعادة فتح المدارس في أقرب فرصة، عندما تسمح الظروف الصحية بذلك. أما على صعيد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فينصح هؤلاء بانخراط المراهقين بشكل تفاعلي إيجابي، من خلال الألعاب، أو تبادل الرسائل المكتوبة، والصور، والفيديوهات، ومشاركة القصص والحكايات والروايات. مع ضرورة تجنب المتابعة اليومية المستمرة لأخبار الوباء، حيث إن فرط استهلاك هذه الأخبار خلال اليوم، لابد وأن ينعكس سلبياً على الحالة النفسية. وبالنظر إلى أن الوضع العالمي للوباء الحالي، لن يتغير بين عشية وضحاها، فلا فائدة تُرجى من قضاء عدة ساعات في سماع نفس الأخبار، في أشكال وصيغ مختلفة.