أكد تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» مقتل زعيمه الجزائري عبد المالك دروكدال الذي أعلنت فرنسا‏‭ ‬مقتله ‬في ‬مطلع ‬يونيو الجاري، ‬في ‬تسجيل ‬صوتي ‬نقله ‬موقع «‬مؤسسة ‬الأندلس»‬، ‬الذراع ‬الإعلامية ‬للتنظيم. وكان ‬الرجل ‬يقود ‬مجموعات ‬«القاعدة» ‬في ‬شمال ‬أفريقيا ‬وقطاع ‬الساحل، ‬بما ‬في ‬ذلك ‬«جماعة ‬نصرة ‬الإسلام ‬والمسلمين»، ‬إحدى ‬الجماعات ‬الإرهابيّة ‬الرئيسيّة ‬الناشطة ‬في ‬الساحل، ‬ويقودها ‬المالي ‬«إياد ‬أغ ‬غالي» ‬المنتمي ‬للطوارق.
وسبق وأن أكدت وزيرة الدفاع الفرنسية، «فلورنس بارلي»، أن قوات بلادها قتلت زعيم تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» خلال عملية في شمال مالي. ‬وكتبت ‬بارلي ‬على ‬تويتر: «‬في ‬3 ‬يونيو ‬قتلت ‬قوات ‬الجيش ‬الفرنسي، ‬بدعم ‬من ‬شركاء ‬محليين، ‬أمير ‬«القاعدة ‬في ‬بلاد ‬المغرب ‬الإسلامي) ‬عبد ‬المالك ‬دروكدال ‬وعدداً ‬من ‬أقرب ‬معاونيه‭«‬. ‬وقد قُتل ‬دروكدال ‬في ‬بلدة ‬تساليت ‬قرب ‬الحدود ‬مع ‬الجزائر، ‬حيث ‬اتخذ ‬منها ‬التنظيم ‬قاعدة ‬لشن ‬هجمات ‬واختطاف ‬مواطنين ‬غربيين ‬في ‬منطقة ‬الساحل. ‬ووصفت ‬بارلي ‬تصفية ‬زعيم ‬التنظيم بأنها «‬نجاح ‬باهر ‬وضروري ‬للأمن ‬والاستقرار ‬في ‬المنطقة». ‬وشارك ‬دروكدال، ‬وهو خبير ‬متفجرات ‬جزائري، ‬في ‬سيطرة ‬جماعته ‬على ‬شمال ‬مالي، ‬قبل ‬أن ‬يصدها ‬تدخل ‬عسكري ‬فرنسي ‬في ‬عام ‬2013 ‬ويشتت ‬مسلحيها ‬في ‬منطقة ‬الساحل.
‬ويشارك ‬الآلاف ‬من ‬القوات ‬الفرنسية ‬في ‬مالي ‬في ‬إطار ‬عملية ‬تستهدف ‬دعم ‬قوات ‬الجيش ‬المالي، ‬إلى جانب قوات من موريتانيا ‬والنيجر ‬وبوركينا ‬فاسو وتشاد. ‬وجاء ‬هذا ‬التواجد ‬العسكري ‬الفرنسي ‬في ‬مالي ‬بعد ‬سيطرة ‬جماعات ‬إسلامية ‬مسلحة ‬على ‬أجزاء ‬من ‬شمال ‬البلاد. ‬وبمساعدة ‬فرنسا، ‬تمكن ‬الجيش ‬المالي ‬من ‬استعادة ‬السيطرة ‬على ‬المناطق ‬التي ‬سيطر ‬عليها ‬المسلحون ‬المتطرفون، ‬لكن ‬الاضطراب ‬والعنف ‬انتشرا أيضاً ‬في ‬المنطقة.
ونتذكر أنه في ديسمبر الماضي، قُتل 13 جندياً فرنسياً في مالي، واستدعى الرئيس الفرنسي، إثر الحادثة، رؤساء دول الساحل الخمس إلى قمة في جنوب غرب فرنسا، لتتضح له الرؤيا حول موقف هذه الدول من التواجد العسكري الفرنسي فيها. ‬لكن ‬الأسلوب ‬الذي ‬اتبعه ‬الإليزيه ‬أثار، ‬حسب ‬المتتبعين، ‬استياء ‬الكثيرين ‬في ‬القارة ‬السمراء، ‬إذ ‬شعر ‬هؤلاء ‬بأنّ ‬ما ‬صدر ‬عن ‬الرئيس ‬الفرنسي ‬هو ‬أقرب ‬إلى «‬استدعاء» ‬لرؤساء ‬دول ‬تتفاقم ‬فيها ‬أصلاً ‬مشاعر ‬مناهضة ‬لفرنسا.
وقال الرئيس الفرنسي بعد ذلك إنّ بلاده لا تستطيع مكافحة المسلحين بمفردها في منطقة الساحل، حيث ينتشر 4500 عسكري فرنسي في إطار «عملية برخان»، مطالباً قادة دول مجموعة الساحل الخمس (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا) بـ«التزام سياسي واضح‏‭.«
والواضح أن باريس بدأت تشعر بخطورة الإرهاب المتواصل في المنطقة وبخطورة الرياح المناهضة لفرنسا بعد ست سنوات من تواجد قواتها وسقوط 41 قتيلاً منها. فالدول هناك ضعيفة، ولم تستطع محاربة تغلغل الحركات الإرهابية العابرة للبلدان والقارات.
وبالمناسبة فإن العديد من الاستراتيجيين يتخوفون من انسحاب مفاجئ للقوات الأميركية المتواجدة هناك أيضاً والتي تقدم لدول مجموعة الساحل الخمس الدعم والمعلومات والنقل والإمدادات. وبينما لا يزال خطر الإرهاب يهدد المنطقة، لم تعد أفريقيا أولوية في نظر البنتاغون، وهو ما يجعل فرنسا وحلفاءها يوظفون إمكانيات دبلوماسية هائلة لمنع هذا الانسحاب الأميركي، فالدور الأميركي حيوي جداً للتحالف الذي يحارب إرهاباً متنقلاً ومتعدد الأوجه. وتنشر الولايات المتحدة الأميركية حوالي ستة آلاف جندي في أفريقيا، وسبق أن أسست ما يسمى «أفريكوم»، وهي الوحدة المسؤولة عن العمليات العسكرية الأميركية في القارة الأفريقية، ويعود تأسيسها إلى انتشار ظاهرة الإرهاب، وبالأخص إرهاب شبكة «القاعدة» في الصحراء الأفريقية، وكان من مهامها مراقبة تحركات الجماعات المسلحة في المنطقة. ‬ولا ‬جرم في ‬أن ‬أميركا ‬تعتبر ‬أن ‬منطقة ‬الساحل ‬مجال ‬فرنسا ‬بامتياز، ‬أي ‬مشكلاً ‬أوروبياً بالأساس، ‬وبالتالي ‬فهي ‬تريد ‬أقل ‬تواجد ‬أميركي ‬في ‬المنطقة. ‬ثم ‬إن ‬المشكلة ‬الأخرى ‬هي ‬الاختلال ‬في ‬النظرة ‬الاستراتيجية ‬إلى ‬المنطقة ‬بين ‬ما ‬يريده ‬البيت ‬الأبيض ‬وما ‬يريده ‬البنتاغون ‬ووزارة ‬الخارجية. ‬فهاته ‬المؤسسات ‬لا ‬تتحدث ‬بصوت ‬واحد حيال هذه المسألة، ‬مما ‬يجعل ‬الحلفاء ‬الغربيين ‬في ‬حيرة ‬من ‬أمرهم.