في دولة الإمارات لم يتغير شيء برغم كل الظروف التي فرضتها جائحة كورونا على العالم كله، ولم يشعر الناس بأي أثر لها، إلا ما تتطلبه المحافظة على الأرواح وحماية الصحة العامة والخاصة من إجراءات احترازية ووقائية للتصدي للفيروس واحتوائه ومنع تفشيه، بينما سارت أمورهم الحياتية كما هي العادة بكل سلاسة ويسر، وظل كل شيء متاحاً لهم وفي متناول اليد، سواء في الجانب الخدمي أو المعيشي.
وعندما كانت الكثير من دول العالم، بما فيها المتقدمة والأكثر تطوراً، تشهد فور إعلان فرض إجراءات حظر أو إغلاق لمكافحة الفيروس، حالات انفلات وفوضى واعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة ونهب للمتاجر وسطو عليها وحرص من شعوبها على تخزين وتكديس المواد الغذائية خوفاً من فقدانها من الأسواق أو حدوث نقص حادّ فيها، كانت السكينة والطمأنينة تسودان مجتمع الإمارات الذي لم تسجل فيه أي حالة تهافت أو تزاحم أو خروج على النظام العام، كما لم يشهد أي حالة نقص في مادة أو سلعة أساسية كانت أو تكميلية.
كل ذلك لم يأتِ من فراغ ولا هو وليد المصادفة، بل هو نتيجة رؤية واضحة لقيادة حكيمة تضع الإنسان على رأس قائمة أولوياتها، وتولي سعادته ورفاهيته وأمنه واستقراره جلّ اهتمامها ولا تدخر وسعاً في سبيل توفير أرقى مستويات المعيشة له وبشكل يلبي طموحاته، بل ويتجاوز توقعاته في كثير من الأحيان، وبالتالي فإنه لا غرابة في أن يكون شعب الإمارات واحداً من بين أسعد شعوب العالم، وأن يظهِر التزاماً وانضباطاً وتعاوناً قل نظيره تجاه الجهود والإجراءات الحكومية كافة التي استَهدفت مكافحة المرض، وأن يتسابق أبناءُ هذا المجتمع الخيّر نحو المساهمة المنظمة والمنضبطة في تلك الجهود، سواء من خلال التطوع أو الالتزام إلى أبعد الحدود بالتعليمات والتوجيهات الصادرة عن الجهات المختصة.
لقد كان للرسائل المتتالية التي حرصت القيادة الرشيدة للدولة على إرسالها لشعبها بالغ الأثر في بث الثقة والطمأنينة في النفوس، وفي تعزيز القناعة الراسخة لدى كل فرد في مجتمعنا بأن دولة الإمارات قادرة على تجاوز هذه الظروف الدخيلة الطارئة بكل اقتدار، وبأنها ستخرج منها أكثر قوة وقدرة على مواجهة التحديات والاستفادة منها وتحويلها إلى فرص، إذ إن دأبها هو خوض التحديات وتذليل الصعوبات وعدم الاعتراف بالمستحيل، وبالتالي فلا بدّ وفي ظل ذلك كله من أن يكون القادم أجمل.
منذ بداية الأزمة شكّلت كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، «لا تشلّون هم» وتأكيده أن الدولة لن تسمح بحدوث أي نقص في أي مادة أو سلعة وستقوم بجلبها من أي مكان ولو كان في آخر الدنيا وتوفيرها للمواطنين والمقيمين مهما كلّف الأمر، ركيزةً أساسية لنهج عمل حقق نجاحاً منقطع النظير في تحقيق الأمن الغذائي وترسيخه عبر توفير مخزون استراتيجي طويل الأمد من المواد الغذائية على تنوعها واختلافها، من ناحية، واستدامة سلاسل التوريد وإيجاد العديد من البدائل والخيارات التي تضمن عدم حدوث انقطاع أو خلل في أي منها، من ناحية ثانية.
ولأنها تسعى دائماً إلى الاعتماد الكامل على الذات والتقليل ما أمكن من العوامل الخارجية التي تؤثر في أمنها الغذائي، وكواحد من الدروس التي استفادتها من ظروف الجائحة، تدخل الإمارات عصر ما بعد كورونا بطموح جديد في هذا المجال وهو تحقيق الاكتفاء الذاتي عبر التوسّع في الإنتاج الزراعي المحلي على الصعيدين النباتي والحيواني، وتوظيف أحدث التقنيات التي تناسب الظروف المناخية والطبيعية في الدولة وتسهم في زيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف.
دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، يوم أمس الأول لشباب الإمارات وعقولها المبدعة لتقديم حلول وابتكارات وأفكار تعين على تعزيز الأمن الغذائي في الدولة على المديين القريب والبعيد، جاءت لتشكل انطلاقة جديدة نحو مرحلة جديدة تحقق فيها دولة الإمارات أعلى مستويات الأمن الغذائي، ويكون فيها غذاء شعبها من خير أرضها وبأيدي وعقول أبنائها البررة.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.