قرر فريق الحملة الانتخابية لدونالد ترامب أن يكون أول تجمع انتخابي، له منذ 2 مارس الماضي في مدينة تلسا، بولاية أوكلاهوما في 19 يونيو الجاري. ونظراً لأن أوكلاهوما ولاية جمهورية إلى حد كبير، فقد كان يُعتقد أن أعداداً كبيرة من أنصار ترامب سترغب في الحضور. القدرة الاستيعابية للقاعة المغطاة التي اختيرت لاحتضان هذا التجمع تبلغ 19 ألف شخص، لكن حملة ترامب أعلنت بغير قليل من الفخر أنها تتوقع أن زهاء مليون شخص سيرغبون في الحضور، وأنها ستوفّر 100 ألف تذكرة على أساس أنه سيتسنى لمن سيتعذر عليهم الدخول إلى القاعة حضور فعالية تستوعب الفائض من الحضور، والذين سيخطب فيهم كل من ترامب ونائب الرئيس بنس. غير أن كل شيء نحا منحى سيئاً بعدئذ. فالتاريخ الذي اختير، وهو 19 يونيو، هو يوم يتم فيه إحياء ذكرى 19 يونيو 1865 عندما سمع آخر العبيد المتبقين في ولاية تكساس لأول مرة عن «إعلان التحرر» الذي صدر قبل ذلك في 1 يناير 1863، والذي حرّر كل العبيد. وبالنظر إلى المظاهرات التي اندلعت مؤخراً ضد الوحشية التي تتعامل بها الشرطة مع الأميركيين السود، وافقت حملة ترامب على إرجاء الاجتماع إلى 20 يونيو. كما أن مدينة «تلسا» نفسها كانت مسرحاً لأسوأ اضطرابات عرقية في التاريخ الأميركي عندما قُتل في أواخر مايو وأوائل يونيو 1921 ما بين 150 و300 أميركي أسود على أيدي ميليشيات محلية بيضاء استخدمت الطائرة لإلقاء قنابل على القطاعات السوداء الغنية من المدينة. لذا أمكن القول إن وجود تجمع لترامب هناك، يمثل سبباً كافياً لحدوث احتجاجات من جماعات مناوئة له.
ثم هناك مشكلة ثالثة بخصوص تجمع «تلسا»، وهي المخاوف المتنامية لمهنيي الصحة العامة الذين كانوا يرون أنه نظراً لأن التجمع سيكون لقاءً مزدحماً داخل مكان مغلق، فإن انتشار فيروس كورونا سيكون محتملاً جداً. وفي اليوم الذي عُقد فيه التجمع أُعلن أن 6 من المنظمين جاءت نتائج اختبارات إصابتهم بالفيروس إيجابية. وعلى الرغم من دعوات لتأجيل اللقاء، إلا أنه تقرر المضي قدماً في تنظيمه في موعده.
غير أنه بينما توجه الرئيس إلى تلسا، كان واضحاً أن عدد الأشخاص الذين دخلوا إلى القاعة المغطاة جاء أقل بكثير مما كان متوقعاً. ونتيجة لذلك، أُلغيت الفعالية التي كانت ستخصص للفائض من الحضور، وأمام الحضور المكثف لوسائل الإعلام، اضطر ترامب لمخاطبة قاعة تضم ما بين 7 آلاف و8 آلاف شخص فقط، بمن فيهم الصحافة وصور المقاعد الفارغة، وألقى خطاباً طويلاً ومفككاً ثم غادر عائداً إلى واشنطن بمزاج متعكر جداً. وغني عن القول إن التغطية الإعلامية للفعالية كانت قاسية ومن المحتمل أن تؤدي إلى تغييرات كبيرة بخصوص كيفية التحضير للتجمعات الانتخابية مستقبلا وإدارتها. وبالنظر إلى الكيفية التي جرت بها الأمور الآن، يتضح أن جملة من العوامل ساهمت في فشل تجمع تلسا. فالمخاوف من «كوفيد -19» ربما أثنت الكثيرين عن الحضور، وخاصة أن عدد حالات الإصابة الجديدة التي أُعلن عنها في أوكلاهوما آخذ في الازدياد. والبعض ربما أثنته مخاوف من اندلاع أعمال عنف، بينما شعر البعض الآخر أن الكثيرين يعتزمون الحضور، فآثر مشاهدة الفعالية على التلفزيون. وأياً يكن السبب، فالمؤكد هو أن ما جرى مثّل رفضاً مؤلماً لترامب الذي يواجه معركة صعبة من أجل إعادة الانتخاب.
الشيء الواضح من تجمع تلسا هو أنه لا نية لترامب في توجيه رسالة مصالحة وتوافق في وقت تواجه فيه البلاد ثلاث أزمات متزامنة هي: الوباء، والاضطرابات العرقية عبر البلاد، والاقتصاد الآخذ في الانهيار. كان ترامب يمنّي النفس بنهاية مفاجئة للوباء، وعودة الاقتصاد إلى الانتعاش والارتفاع من جديد، بالتوازي مع انخفاض في أعداد البطالة. لكن العكس هو الذي حدث. وخلافاً للاتجاهات المسجلة في أوروبا، فإن الفيروس ينتشر حالياً في قطاعات كبيرة من الولايات المتحدة، بما فيها تكساس وفلوريدا وأريزونا. وهذه ولايات مهمة للغاية من أجل فوز ترامب إن كان يأمل في إعادة الانتخاب.
ولا شك في أن قرار ترامب التقليل من شأن أخطار الوباء والتجاهل الصريح للتحذيرات الصحية بشأن استمرار الحاجة إلى التباعد الاجتماعي، كانت له شعبية واسعة وصدى بين كثير من أنصاره. لكن، وعلى غرار نظيره في البرازيل، الرئيس جائير بولسونارو، لم تُقبل هذه السياسة على نطاق واسع. ذلك أن أغلبية من الأميركيين ما زالت تعتبر الوباء تهديداً خطيراً، وتبدو حذرة إزاء مَن يعتقدون أن الأسوأ قد مر وانتهى. ولعل هذا العامل، وأكثر من أي عامل آخر، هو الذي سيحدد مستقبل دونالد ترامب بعد 3 نوفمبر.