ما زال الأمر مستقراً في ليبيا منذ الغزو العسكري التركي للبلاد واحتلال جزء مهم منها وتحديداً بعد الموقف السياسي والعسكري الذي أعلنه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والذي هدد فيه بشكل صريحٍ بالدخول في ليبيا لا لاحتلالها أو لأي مصالح فيها، بل لنصرة الشعب والجيش الليبي، ودرء الخطر المحدق بتحويل ليبيا لدولة «الإخوان».
بعد العنجهية الأردوغانية في استعمار ليبيا بشكل فجٍ، لا يتفق مع كل القوانين الدولية، وذلك بضوء أخضر من أميركا بعدما شعرت واشنطن بتسلل روسي جديد في المنطقة في الملف الليبي، خصوصاً أن إدارة ترمب تعلم تماماً أن تخاذل أوباما وضعفه هو الذي سمح لروسيا بالدخول العسكري والسياسي القوي للمنطقة عبر سوريا، ولا تريد أن ترتكب الخطأ نفسه في ليبيا.
مصالح الدول الأوروبية في ليبيا مختلفة، وربما متناقضة أحياناً، وبالذات بين فرنسا وإيطاليا، والحديث عن تناقضات المصالح هذه معلن، ولا يحتاج لتعمّقٍ لاكتشافه غير أن الجديد اليوم هو التوافق بين غالب الدول الأوروبية وأميركا على عدم استفزاز مصر ومن ورائها السعودية والإمارات، والعديد من الدول العربية وتأكيد الطرفين على عدم الاعتداء على سرت من قبل ميليشيات «الوفاق» الإرهابية التابعة للمستعمر التركي.
بحسابات القوة، فمصر أقوى من تركيا في ليبيا، لا من ناحية المشروعية السياسية المبنية على الثقافة والتاريخ المشترك وعلى حجم المصالح والأخطار فحسب، بل ومن ناحية القوة العسكرية الخشنة المباشرة، فالجغرافيا هنا عنصرٌ حاسمٌ أيضاً، فمصر الدولة العربية المجاورة لليبيا بحدود طولها أكثر من ألف ومئتي كيلو متر، تختلف تماماً عن المستعمر التركي القادم من وراء البحار والجيش المصري، هو أحد أقوى الجيوش في المنطقة، وبغض النظر عن تناقضات المصالح الدولية في ليبيا، فهو قادرٌ على تغيير موازين القوى إذا دعت الحاجة.
الدولة المصرية كانت عضواً حاسماً في تحالف الإنقاذ العربي الذي واجه بنجاحٍ كل شرور ما كان يُعرف بـ«الربيع العربي»، وأنقذ العديد من الدول والشعوب العربية من أنيابه الإرهابية الدامية، وهو تحالفٌ ضمّ السعودية والإمارات وعدداً من دول الخليج والدول العربية. والسعودية والإمارات وغيرهما أعلنتا صراحة دعم المبادرة المصرية ودعم موقف الرئيس المصري تجاه ليبيا، وكما كان يقول الرئيس السيسي «مسافة السكة»، أعلنت السعودية أن «أمن مصر جزءٌ لا يتجزأ من أمن السعودية»، وأعلنت الإمارات «تضامنها ووقوفها إلى جانب مصر في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها واستقرارها من تداعيات التطورات المقلقة في ليبيا».
بالنسبة لأميركا والدول الغربية فقد تغيرت الأوضاع بشكل كبيرٍ بعد الاستعمار التركي الفج وغير الطبيعي، وجاءت ردة الفعل قويةً من قبل مصر وتحالف الإنقاذ العربي، وأدرك العالم أن الدول العربية مصرةٌ على حماية مصالحها ومصالح شعوبها أمام أي اعتداء بهذا الحجم وهذه الوقاحة وإنْ وصل الأمر للقوة الخشنة، وبالتالي كان على الجميع إعادة حساباته من جديد.
الأوضاع في ليبيا هادئة منذ ما يقارب الأسبوع، ولكنه أشبه ما يكون بالهدوء الذي يسبق العاصفة، فلا أحد في مصر أو الدول العربية يريد الحرب أو يسعى لها، ولكن هذا لا يعني السكوت على التهديدات الحقيقية على الأمن القومي للدول العربية، وكما قال الأمير الراحل سعود الفيصل: «لسنا دعاة حربٍ ولكن إذا قرعت طبولها فنحن لها». أخيراً، فاقتصاد أردوغان المنهك جداً بسبب فشل سياساته لا يستطيع تحمّل نفقات حربٍ خشنة في المنطقة، وهو يقوم بمغامراته استناداً على قوة الجيش التركي السابقة لمغامراته وللدعم الأميركي في هذا الملف وللتغطية على الفشل الداخلي.