انعقد يوم الثلاثاء الماضي، الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري، للنظر في التطورات الأخيرة للأزمة الليبية، وقد رفضت حكومة السراج في البداية حضور الاجتماع، غير أنها أدركت حجمها، أو نُصِحَت من قبل داعميها بالحضور. وأسفر الاجتماع عن بيان يجمع بين مواقف سليمة وأخرى دبلوماسية مراوغة، يمكن أن تُفهم على أكثر من وجه، وغابت مواقف كان التصدي لها واجباً، وأخيراً كشفت التحفظات على بعض بنود قرار المجلس، مواقف أطراف اختارت الانحياز للتدخل التركي الداعم للإرهاب.
أما المواقف السليمة، فتتلخص في الالتزام بوحدة الدولة الليبية وسيادتها، وتأكيد الحل السياسي، والعمل على توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية، وسحب كل القوات الأجنبية من أراضي ليبيا ومياهها، وإلزام كافة الجهات الخارجية بإخراج المرتزقة من الأراضي الليبية، وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها، والوقف الفوري لإطلاق النار والعودة السريعة للمفاوضات، تمهيداً لإجراء انتخابات يختار الليبيون بموجبها مَن يمثلهم، وإدانة كافة انتهاكات حقوق الإنسان.
أما المواقف المراوغة، فتتعلق بما ورد في البيان عن رفض التدخلات الخارجية، وهو موقف إيجابي بحد ذاته، غير أن وصف هذه التدخلات في إحدى المرات بـ«غير الشرعية»، يمكن أن يُفْهَم على وجهين: إما أن التدخلات الشرعية مرفوضة على إطلاقها، أو أن المرفوض منها هو تلك «غير الشرعية»، بما يعطي الفرصة لحكومة السراج للادعاء بأن التدخل التركي «شرعي» لأنه جاء بطلب منها، مع أنها فاقدة للشرعية أصلاً، ناهيك عن أن قرار المجلس لم يصف التدخل، ولا مرة، بـ«التركي»، بما يعطي الفرصة لمزاعم حكومة السراج عن تدخلات أخرى.
أما المواقف التي غابت عن قرار المجلس، فهي التصدي لأكذوبة «حكومة الوفاق الوطني الشرعية»؛ إذ لا هي حكومة وفاق وطني، بدليل أن الجيش الوطني المدعوم من معظم القبائل الليبية، يسيطر على غالبية الأراضي الليبية، ولا هي شرعية؛ لأن أمدها الزمني قد انتهى بموجب «اتفاق الصخيرات» ذاته. وكان هذا التصدي يتطلب إسقاط الاتفاق مع الاعتراف بصعوبة ذلك، لكن على الأقل كانت إثارة القضية ممكنة لثبوت فشلها، ناهيك عن أن حكومة السراج فاقدة لمقومات الوجود أصلاً؛ لعدم حصولها على ثقة مجلس النواب، كما أنه حتى لو تم التغاضي عن هذا، فإن أمدها الزمني قد انتهى، كما سبقت الإشارة.
ونأتي، أخيراً، للتحفظات على القرار، وهي منذ نشأة الجامعة أداة مفيدة لسبر أغوار مواقف الدول العربية من القرارات المختلفة، وبعض هذه التحفظات كان متوقعاً، كما هو اعتراض الصومال و دولة خليجية صغيرة على أي قرار يمس تركيا، وهو ما حدث عندما أدان المجلس العدوان التركي الأخير على سوريا. لكن العجب تمثل في طلب  مندوب هذه الدولة سحب البندين 8 (الذي يشير إلى إعلان القاهرة) و11 (الذي يطالب بإخراج المرتزقة وتسليم أسلحتهم). والاعتراض الأول مفهوم في إطار عداء هذه الدولة  الخليجية الصغيرة  لكل ما يأتي من مصر، غير أن الثاني يتضمن اعترافاً صريحاً بأن هذا النظام داعم للمرتزقة. والأعجب أن  هذا المندوب سجل أنه إذا لم يتم سحب البندين، فإنه يتحفظ على البندين7 (الخاص بسحب القوات الأجنبية والتحذير من استمرار العمل العسكري) و8 (الخاص بإعلان القاهرة)، أي أن هذه الدولة  ستتحفظ على البندين 7و8! وتقبل البند11 الذي طالبت بحذفه، فأي عجب؟! أما أغرب التحفظات، فهو التحفظ التونسي على البند8 الخاص بإعلان القاهرة، وهذا مفهوم، وعلى التحذير في البند7 «من مغبة الاستمرار في العمل العسكري لتحريك الخطوط التي تتواجد عليها الأطراف حالياً»! أي أن تونس المحايدة، المؤيدة للحل السياسي، تؤيد استمرار القتال لتحريك خطوطه الحالية!