إن الشخص النادر في ثقافتنا اليوم، هو من يمضي عمره في بلدة صغيرة، محاطاً بالأقارب والأصدقاء، وكلام دافء كهذا سيلقى وقعاً حسناً في نفوس أكثر الناس، لكن هل الحكومات تفكر على هذا النحو؟ لا يعتقد، وإن كانت رفاهية مواطنيها جزءاً من مساعيها. الحضارات لا تُبنى على هذا القدر من الاسترخاء، لذا تأتي التنبؤات طويلة المدى كجهد ثمين ومهم، يضعها العلماء أمام أصحاب القرار، لتكون الأساس الذي ينطلقون منه نحو خطط التنمية، وآفاق المستقبل، ورغم أن مهمة التنبؤات محفوفة بالمخاطر، فإنها تبقى صوراً توضيحية تهتدي بها البشرية، والتنبؤات قد تصيب وقد تخطئ، فمن ينجح في مستقبل التقنية، قد يفشل في التنبؤات الاجتماعية أو السياسة، وثمة عدد من التنبؤات المستقبلية بشأن موضوعات سيشهدها العالم في النصف الأول من القرن الـ21، وبعضها ورد في مقالة للبروفيسور «جون إتش. هولاند»، أستاذ علم النفس وعلوم الكمبيوتر بجامعة ميتشيغان وصاحب كتاب «النظام الخفي: كيف يؤدي التكيّف إلى التعقيد»، وهي وارة في كتاب «الخمسون سنة المقبلة»، الذي ترجمته وأصدرته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، ومما يراه هولاند أن البرامج التكيفيّة ذات الفعالية والذكاء والمرونة، كالتي يتمتع بها البشر، ستوجد الريبوتات الفعالة رغم أنها ترتبك في مواجهة غير المتوقع، مما يجعلها بعيدة عن العقل لمدد طويلة، وأن جهازنا المناعي الذي ولدنا به محارب شرس يحمينا ضد عتاة الفيروسات، لكن تطوير أجهزة مناعية صناعية، سيساعده كثيراً بمنح خلايانا البيولوجية تماسكها ومرونتها لفترة أطول، ويتنبأ بأن تتوفر في المستقبل وسيلة نقل من نوع ما، خالية من الضوضاء، تنقل الأفراد براً وبحراً وجواً، بفضل ما أفادنا به الكمبيوتر ونظام تحديد المواقع من سهولة ويسر، لكن الأمر يقتضي وجود حقوق مرور معتمدة لهذه الوسيلة، كما ستكون هنالك تكاليف باهظة للبنية التحتية كالطرق والجسور، وهو يعتقد أن الميزات العلمية والاقتصادية والعسكرية، التي اكتسبها تلسكوب هابل الفضائي، ستجعل التنقل بين الكواكب قريباً وضرورياً للدول، كما سيتحتم مستقبلاً تقليص عدد سكان الأرض كي يصبح ملائماً للموارد المتجددة، ولنتجنب مشكلات عدّة، كنقص الغذاء وارتفاع درجة الحرارة ونقص الطاقة.. وهذه مشكلات لا تستطيع التكنولوجيا تقديم حلول لها، ويعتقد هولاند أن القضية التي ستبقى قائمة لعقود مقبلة، هي التمسك بالخصوصية وحرية السلوكيات من دون مراقبة مستمرة، فإيجابية أجهزة التصوير المنتشرة، في منع الجرائم على اختلافها، قد تنتهك الشؤون الشخصية، فالخصوصية والتحرّر نقيضا للطغيان.