تتحفنا هذه الأيام وسائل الإعلام الأجنبية بتحليلاتها حول الآثار السلبية لهجرة الأيدي العاملة الأجنبية من دول مجلس التعاون الخليجي، باعتبارها إحدى تداعيات جائحة فيروس كورونا، حيث يأتي ذلك ضمن حملات منظمة تستهدف نشر الذعر والخوف من إمكانية انهيار الاقتصادات الخليجية.
وجهة نظرنا مغايرة تماماً، إذ إننا نرى أن الآثار الإيجابية التي ستترتب على عودة الكثير من الأيدي العاملة الأجنبية إلى بلدانها طوعياً تفوق بكثير بعض الآثار السلبية التي تتحدث عنها وسائل الإعلام هذه. كيف؟ ذلك ما سنبينه باختصار من خلال تحليل البيانات المتوافرة، حيث يتوقع أن يغادر دول المجلس ما يتراوح بين 4 - 4.5 مليون عامل أجنبي، وهو ما يمثل 10% تقريباً من إجمالي السكان.
بداية لنأخذ طبيعة الأيدي العاملة المتوقع مغادرتها، إذ إن معظم هذه الأيدي العاملة تنتسب إلى العمالة غير الماهرة، والتي تعمل في قطاع الإنشاءات والخدمات، علماً بأن نصفها تقريباً تعتبر غير شرعية «فري فيزا»، كما توضح البيانات الصادرة من دولة الكويت بعدد المغادرين، وبالتالي، فإنها تُعتبر عبئاً على دول المجلس، وتتسبب في مشاكل اقتصادية واجتماعية عديدة، مما يعني أن عودتها لبلدانها تعتبر مسألة إيجابية.
أما العدد الأكبر من النصف الآخر من المغادرين، فيعود إلى تراجع النشاط في بعض القطاعات الاقتصادية، وبالأخص البناء والخدمات وتجارة التجزئة والسياحة، حيث سيؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب على السلع والخدمات في الأسواق الخليجية، وهو تطور سلبي سيؤثر على معدلات النمو، كما أن هناك بالتأكيد بعض الكفاءات المغادرة، إلا أن عددها قليل نسبياً، إذ تتوافر إمكانات كبيرة لعودتها سريعاً بعد تحسن الأوضاع، كما هو متوقع. في حين أن هناك تأثيرات سلبية على القطاع العقاري، ولحسن الحظ أن معظم المغادرين، كما ذكرنا ينتمون إلى الفئات الدنيا والتي تتكدس في مساكن العمال الرخيصة والمكتظة، مما سيقلل من هذه التأثيرات، ويساهم في إعادة هيكلة سوق العمل.
النتائج الإيجابية لهذه الظاهرة عديدة ومهمة وذات أبعاد اقتصادية ومالية واجتماعية، إذ ستؤدي إلى تقليل الضغوط على البنى الأساسية والخدمات العامة، وتخفيض مخصصاتها في الموازنات السنوية، مما سيتيح تخصيص اعتمادات أكبر لتطوير نوعية هذه الخدمات وزيادة المخصصات للمشاريع الاستثمارية والتنموية. من جانب آخر، سيؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب، وبالأخص على الأغذية والسلع الاستهلاكية الأساسية، والتي يتم استيراد 80% منها من الخارج، مما سيدعم الميزان التجاري لدول المجلس، إضافة إلى أن هناك تطوراً مهماً وملفتاً، وهو إمكانية تراجع التحويلات المالية للعمالة الأجنبية بنسبة كبيرة، مما سيقوي ميزان المدفوعات، ويعزز السيولة المحلية، إذ بلغ إجمالي هذه التحويلات 120 مليار دولار العام الماضي، حيث يتوقع أن يتراجع إلى أقل من 100 مليار هذا العام بسبب الهجرة المعاكسة، وكذلك تخفيض الرواتب في القطاع الخاص.
وفي الجانب الاجتماعي، فقد كانت العمالة الأجنبية غير الماهرة والرخيصة مصدراً للقلاقل الاجتماعية، وللكثير من التجاوزات التي لا تعرفها المجتمعات الخليجية، مما يعني المزيد من السلم الاجتماعي وضغوط أقل على الأجهزة الأمنية التي تتابع بدقة سلامة المجتمع وحمايته واستقراره، وكذلك إعادة بعض التوازن للتركيبة السكانية التي تعاني خللاً كبيراً.
أما مستوى تنفيذ مشاريع البنى الأساسية، وكذلك مستويات الخدمات العامة فسوف لن تتأثر، فمشاريع البنى الأساسية تم استكمال معظمها، كما أن هناك فائضاً في الوحدات السكنية، مما يتطلب إعادة التوازن للقطاع العقاري، في حين أن سنوات العقد الماضي شهدت تطورات ملحوظة في الخدمات الإلكترونية والرقمية، وهو ما سيؤدي إلى تقديم خدمات أرقى وأرخص وأكثر جودة، بما فيها الخدمات المالية والتجارة الإلكترونية. إذن نحن أمام تطورات إيجابية تتناقض والذعر الذي تحاول وسائل الإعلام الأجنبية بثه، خصوصاً أن الكفاءات الأجنبية الماهرة والمدربة ستبقى في دول المجلس لتساهم في عملية البناء التي ستعاود زخمها بعد انجلاء الجائحة. 

*مستشار وخبير اقتصادي