في أواخر عام 2019 اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن حلف الأطلسي بات في حالة موت سريري، وذلك بعد هجوم شنه أردوغان في شمال شرق سوريا من دون أي تشاور مع الحلفاء، واكتفائه بالحصول على موافقة الرئيس الأميركي. هل تجاوز الأطلسي حالة الموت السريري إلى الموت الفعلي؟ قد يكون الأمر بالفعل مرهوناً بما يجري في ليبيا بشكل عام وبقادم الأيام في الأسبوعين المقبلين في سرت على ساحل المتوسط بنوع خاص، والسؤال لماذا؟ لأن الأطلسي اليوم بات منشقاً في مسارين متضادين، الأول تتزعمه فرنسا تلك القوة الأوروبية التقليدية المناهضة تاريخياً لتركيا، والتي يرى رئيسها أن أنقرة لم تحترم أي التزامات أو مقررات لمؤتمر برلين، ولم تنفك ترسل المرتزقة والإرهابيين إلى ليبيا، وقد وصل عددهم إلى ما يزيد عن 15 ألف. فيما جناح الأطلسي الآخر تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية، وترى فيه في السر وليس الجهر أن دور تركيا في ليبيا قد يكون بصورة، أو بأخرى مثبطاً لمحاولات وسعي روسيا إلى الوجود العسكري المكثف على سواحل ليبيا، ومن ثم استخدام موسكو للدولة الليبية كمحور لتوسيع نفوذها في أفريقيا.
الجانب الأول، أي الفرنسي، كان يفتقد حماس ألمانيا وإيطاليا حتى وقت قريب. لكن البيان الثلاثي الناري الأخير أظهر أوروبا في جانب والولايات المتحدة في جانب آخر، الأمر الذي أكدته زيارة وفد «أفريكوم» لجماعة الوفاق قبل نحو أسبوعين بقيادة الجنرال «ستيفن تاونسند». سلوك تركيا في ليبيا، وما جرى من احتكاك مع فرقاطة فرنسية ضمن قوات «إيريني»، التي تهدف إلى قطع الطريق على تسليح ليبيا، يُلقي في واقع الأمر بتبعات، بل ومسؤوليات جنائية وتاريخية على حلف شمال الأطلسي، الذي يجب أن يتعامل مع هذا الوضع، لكن لا يبدو أن العم سام لديه أي اهتمام بطرد الأتراك حتى الساعة.
هل ستكون سرت والجفرة هما موقع وموضع إعلان موت «الناتو» مرة وإلى الأبد، وإنهاء شراكة دامت خمساً وسبعين سنة، ومنذ انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية؟
المتابع للتصريحات في طرابلس وأنقرة يوقن بأن هناك استعدادات ماضية على قدم وساق من أجل التقدم نحو سرت، وهذا ما لفت إيه «إبراهيم كالين»، المتحدث باسم الرئاسة التركية في مقابلة مع محطة «سي. إن. إن» الأميركية، والذي تكلم كأنه مسؤول عما يجري على الأراضي الليبية، ومؤكداً أن «الوفاق» تطالب بانسحاب قوات حفتر من سرت والجفرة، حتى يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار.
نشأ «الناتو» في الأصل لضمان الأمن الجماعي لأعضائه، غير أن واشنطن اليوم لم تعد تُبدي الاهتمام أو تعزز التضامن داخل الحلف، وصمتها على أفعال تركيا يُعمق الشرخ ويوسع الفجوة التي باتت هوة بين جانبي الأطلسي.
هل قرأ أردوغان عقل ترامب وتجاهله لحلفائه الأوروبيين، والمخاطر التي يتعرضون لها من وجود السلطان المتوهم على الجانب الآخر من المتوسط؟ يبدو أن ذلك كذلك، وتبقى معركة «سرت» إنْ حدثت القشة التي ستقصم ظهر «الناتو».
* كاتب مصري