قبل أن أسترسل في الحديث دعوني أطرح سؤالاً: هل أصبح الذكاء الصناعي مضماراً يجب على دولة الإمارات أن تتسابق فيه؟ ربما أن الإجابة المبدئية والبديهية والمنطقية، هي نعم، فدولة الإمارات تتسابق في هذه المرحلة من تاريخها المجيد على أرض كل مضمار يخدم مصالحها الوطنية الشاملة ويخدم البشرية جمعاء، وهي لديها الكثير من المؤهلات والإمكانيات التي تجعلها قادرة على خوض التحدي في مجالات الذكاء الصناعي، فمع الإمكانيات المتوفرة من الثروة المادية، ومع أفواج المتعلمين من الشباب المواطنين إناثاً وذكوراً، دولة الإمارات قادرة على خوض غمار سوق تطبيقات الذكاء الصناعي.
إن الحالة المستقبلية التي يمكن قراءتها هي أن ما يمكن للإمارات أن تكونه من مادة علمية غزيرة والأعداد الكبيرة المؤهلة من علماء الحاسوب والأجهزة الإلكترونية، والتوجهات الرسمية التي تجعل من استخدامات الذكاء الصناعي أولوية في إدارة شؤون الدولة والمجتمع أراني متفائلاً بإمكانية المنافسة الجدية على صعيد تطبيقات الذكاء الصناعي، والمهم هو البدء، بالجري في الميدان يبدأ بالخطوة الأولى، ثم تتوالى الخطوات حتى الوصول إلى خط النهاية، وحتماً بأن الفائز سيكون هو الذي استعد جيداً.
الواقع أن ما نعتقده بثقة هو أن دولة الإمارات على هذا المسار ستسير بخطى حثيثة، رغم العلم بأنها قد تواجه بعض العقبات قبل أن تصل إلى المراكز المتقدمة على مدى السنوات القليلة القادمة، لكنها بعد ذلك ستلحق بالركب وستتخطى الكثيرين. ونحن نؤمن بأن هذا المضمار ساحة تستطيع دولة الإمارات أن تدلو فيها بدلوها وتتنافس فيها مع الآخرين، وفي نهاية المطاف تفوز.
وفي هذا السياق، أعتقد أن الخطوة الأولى للتنافس في مجال الذكاء الصناعي هو تأسيس هيئة عليا تتولى الإشراف على جميع المسائل والشؤون المتعلقة به في الدولة الاتحادية تحت مسمى «الهيئة العليا للذكاء الصناعي»، ثم بعد ذلك إسناد مهمة الإشراف على هذه الهيئة إلى إحدى المؤسسات السيادية في البلاد.
إن مهمة أو وظيفة مثل هذه الهيئة هي وضع وتطوير الاستراتيجيات والخطط التي تضمن دخول دولة الإمارات في مجالات الذكاء الصناعي من أوسع أبوابها ثم بعد ذلك التركيز على المشروع المتعلق بحفظ مصالحها على الصعد السياسية والاقتصادية والاستراتيجية والاجتماعية والأمنية الخاصة باستخدامات الذكاء الصناعي والمرتبطة بها، وبأن الدولة لديها الأدوات التي تحتاجها للمحافظة على وضعها المتميز ضمن المنظومات التي تنتمي إليها على الصعيد الإقليمي والعالمي.
وبالتأكيد إنه من خلال حرصنا في المساعدة في توضيح الجوانب المتعلقة بهذا الجهد الوطني الخلاق لدينا بعض النقاط التي تتضمن مجموعة من الرؤى التي قد تسهم في هذا الجانب. لكن المهم في هذه المرحلة هو الإشارة إلى أن مثل هذه الجهود لا يمكن القيام بها من قبل الدولة وحدها، ودولة الإمارات لا يمكن لها أن تعمل بعيداً عن هذه القاعدة، بمعنى أن الأمر يتطلب جهود الدولة والمجتمع المُمثل هنا في القطاع الخاص ورجال الأعمال والمال القادرين على لعب أدوار مؤثرة على هذا الصعيد من خلال التمويل السخي والإسهامات الخلاقة في داخل مؤسساتهم وخارجها.
وما أود طرحه أن المسألة تتطلب الجهود المشتركة للدولة والمجتمع وإلى الاقتناع بأن الابتكار والإبداع، خاصة على صعيد تكنولوجيا المعلومات والذكاء الصناعي يمكن لها أن تتطور فقط من خلال أفراد يعملون في مجتمع مفتوح، وبأن ذلك التطور سيؤدي حتماً إلى اتساع آفاق أفراد المجتمع وتعضيد حرياتهم، مثلما أنه يؤدي دوراً مهماً في قدرة الدولة على إدارة شؤونها وقضايا مجتمعها بكفاءة واقتدار.
والدليل على ذلك هو أن الذكاء الصناعي وكافة أنواع التكنولوجيا الحديثة ذات العلاقة تم ابتداعها وتطويرها من قبل مؤسسات ومرافق القطاع الخاص والجامعات والعلماء الباحثين في دول الغرب الرأسمالي واليابان، ثم قامت الحكومات بعد ذلك، خاصة في الاتحاد السوفييتي السابق والصين بالتقاط الفكرة وتحويلها إلى المجالات العسكرية والأمنية على صعيد صناعة الأسلحة، دع عنك جانباً ما قامت به حكومات دول الغرب الرأسمالي منذ البداية من شراء التكنولوجيا الخاصة بالذكاء الصناعي من القطاع الخاص لاستخدامها في شتى الأغراض. وللحديث صلة
*كاتب إماراتي