من جديد، وللمرة الرابعة أو الخامسة، جمع المجتمع الدولي أكثر من سبعة مليارات دولار لمساعدة اللاجئين السوريين بالداخل السوري وبلبنان والأردن وتركيا. واعتذر الداعمون أنه لا يمكن لهم التفكير في إعادة الإعمار بالبلاد، ولا بإعادة السوريين إلى ديارهم وممتلكاتهم، ما لم يكن هناك سَيرٌ باتجاه الحل السياسي عبر إنفاذ القرار الدولي رقم 2254، وهو أمرٌ لن يحصل ما لم تعمل عليه الأطراف النافذة: الحكومة السورية والإيرانيون والأتراك والروس. وهذه كما يقال أُحجية أو دائرة مفرغة؛ لأن الذين يراد منهم السَّير في قرار الحل السياسي، يتقاسمون هم أنفسهم الأرض السورية بجيوشهم والميليشيات المسلَّحة التابعة لهذا الطرف أو ذاك. فالجديد الذي يعني استعادة الاستقرار والسلام، منوط بأطراف أستانا الذين لا يجدون بالطبع مصلحةً لهم في تحقق هذين الأمرين.
وما يقال عن سوريا، يقال عن اليمن. ففي كل مرة يلتقي المهتمون من أطراف المجتمع الدولي ويتبرعون، وعلى رأسهم دائماً المملكة العربية السعودية. وفي حالة اليمن هناك القرار الدولي رقم 2216، والذي قدّم التحالف العربي عشر مرات على الأقل مبادرات وتنازلات من أجل إنفاذه، ولو بدءاً بوقف إطلاق النار. وفي المرة الأخيرة قبل شهور، وبعد أن أوقف التحالف العربي النار من طرف واحد، دون أن يُصغي الطرف الآخر، بل زاد من هجماته على مناطق الشرعية، وعلى المملكة العربية السعودية؛ تقدم المبعوث الدولي غريفيث بمقترحٍ فيه تعديلات على القرار الدولي، فوافقت الشرعية ووافق التحالف؛ لكن الانقلابيين الحوثيين لم يوافقوا. وبدلاً من أن تكونَ هناك نتائج لاستعصائهم بالعودة إلى مجلس الأمن للإلزام، عاد المبعوث لتقديم مقترحات تكاد تُلغي القرار برُمته، رجاءَ الظفر بقبول الحوثيين. لقد صار واضحاً لكل ذي عينين أن هؤلاء الذين جوّعوا الشعب اليمني واعتقلوا أحراره، وفرضوا عليهم الخُمس الطائفي السُلالي، همُّهم الوحيد، ولو استمرت الحرب لسنواتٍ قادمة، الاستمرار في خدمة إيران وبسلاحها، لمصارعة المملكة ومصارعة المجتمع الدولي ومصارعة الولايات المتحدة. فمن أين يأتي جديدُ الاستقرار والسلام للشعب اليمني، ما دام هذا ليس من هَمّ الحوثيين وداعميهم؟!
لقد ظنَّ كثيرون أن الوضع مختلفٌ بعض الشيء في العراق ولبنان. وهو مختلف في البلدين العربيين، باعتبار أن في الشارع في البلدين انتفاضة شعبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة جداً. لكنّ الميليشيات المسلَّحة والتابعة ترفض التغيير، وتُصرُّ على زيادة الأوضاع سوءاً، ودائماً من أجل خدمة إيران في صراعها مع الولايات المتحدة، مثلما يفعل الحوثيون!
كان رئيس الجمهورية اللبنانية يقول إن سلاح «حزب الله» باقٍ لحين انتهاء أزمة الشرق الأوسط(!). لكن زعيم إحدى الميليشيات بالعراق قال إن سلاحهم باقٍ، حتى يسلّموه للمهدي المنتظر. وهكذا، فالذي يبدو أن الرئيس عون كان متفائلاً جداً.
وفي ليبيا، هناك صراع داخلي حاد بين شرق البلاد وغربها منذ سنوات. وكان هناك أمل دائماً في أن تتقدم المحادثات بين الطرفين، لأن عرب الجوار والأوروبيين مهتمون بالسلام والاستقرار؛ من أجل المهاجرين، ومن أجل كف الصراع على النفط، ومن أجل الخلاص من الميليشيات الإرهابية. ثم جاء أردوغان بمرتزقته، وتحالف مع الميليشيات، واكتشف «حقوقاً» له، تاريخية وراهنة، في برّ ليبيا العربية وبحرها! وهكذا، فحتى وقف إطلاق النار ما عاد ممكناً، ما لم يتقاسم أردوغان مع الأطراف الحاضرة المصالح والامتيازات!
هي أربع دولٍ عربية، تعاني من الميليشيات العميلة والعنيفة، والتي تعمل عند المتدخلين الإقليميين والدوليين، وما عادت تجد حرجاً أو تسويغاً لتبرير أفاعيلها. فمن أين يأتي جديد الاستقرار والسلام؟!
عند الشباب بالعراق ولبنان أمل في الانتفاضات الشعبية. لكننا شهدناها في عام 2011 كيف تحولت، وكيف أمكن اختراقها وشرذمتها. ولأن الواقع على هذا النحو، يكون على العربي، ومن أجل السلام والاستقرار، أن يدعم مبادرة التحالف العربي باليمن، ومبادرة مصر في ليبيا، لكي ينتهي الاستعصاء، ويعود هناك أمل لدى الناس في المستقبل.

*أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية -بيروت