التدخل التركي في ليبيا يتسبب في استمرار حالة الفوضى بهذا البلد العربي، ويكرس استغلال أنقرة للمزايا التي تتمتع بها ليبيا؛ ما يؤجج التوتر الإقليمي، ويستوجب استعداد العالم لمواجهة أسوأ الاحتمالات في شمال أفريقيا، وشرق البحر الأبيض المتوسط. تركيا تسعى لتطبيق مفاهيم جيوبوليتيكية في سياساتها التوسعية، أملاً منها في استعادة «أحلام عثمانية» لن تتحقق.
وفي إطار السياسة الهجومية التي انتهجتها تركيا في سوريا، وتستخدمها الآن في ليبيا،  ها هي أنقرة الآن تقوم بتجنيد نحو 15 ألفاً من الميليشيات المرتزقة، لضمان فرض رأيها في أي نتيجة نهائية للوضع الراهن في ليبيا، بحيث تحسم الأمور لصالح «الإخوان» الذين يدعمون حكومة «الوفاق»، فإن الرابط الأيديولوجي الذي يجمع الطربوش العثماني وفايز السراج، سيكون بمثابة جسر عبور في تحقيق أهداف طويلة المدى للعثمانية الجديدة. والمفارقة، هنا، تقع عندما اعترضت تركيا على التدخل الغربي في ليبيا عند بداية ثورات «الربيع العربي»، وتخلفت عن مناصرة الحملة العسكرية لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، حتى مايو 2011. وبدا الآن واضحاً، ما تضمره تركيا من نوايا مستقبلية في جعل ليبيا قوة تابعة وسوقاً واعدةً للاقتصاد التركي، والتي تحاول التفرد به كقوة إقليمية. فضلاً عن إعلان مسؤولين أتراك عن المطالبة لتقديم تعويضات عن مشاريع معطلة ما قبل بداية «الربيع العربي»، والاستحواذ على صفقات إعادة إعمار ليبيا، وغيرها. 
محاولة تركيا كسب نفوذ وعمق استراتيجي جديد في القارة الأفريقية ومجاورة مصر، إحدى مراكز الثقل العربي، التي تتفوق على تركيا عسكرياً، قد يؤدي إلى إشعال فتيل صراع بين عدة دول في المنطقة، وتركيا تدرك بأن مدينة سرت والجفرة خط أحمر بالنسبة للأمن القومي المصري، نظراً لقرب المدينتين جغرافياً من الحدود المصرية.
كما أن مدينة «سرت» وحدها تحتوي على 80% من إجمالي النفط الليبي، والذي يصدر منه 85% إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهذا يثير القلق الأوروبي. ولن يتوانى أردوغان عن استخدام النفط الليبي في التلاعب بأسعار النفط العالمية، أو تشكيل بؤرة جديدة للإرهاب في ليبيا الأكثر قرباً من أوروبا، بسبب استغلال تركيا ميليشيات «الجيش السوري الحر» في غزوها لليبيا، والذين يرغبون بالسفر، كلاجئين، إلى أوروبا. ولن تتجه فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي إلى إخراج تركيا من «الناتو»، نظراً لموقعها الجغرافي المهم في الإمدادات الأوروبية، ولكن سيتم فرض عقوبات اقتصادية وسياسية مشددة عليها؛ لأن مصالح هذه الدول في عدم إدامة حالة الفوضى في ليبيا.
تركيا سعت لاستغلال الأزمة الليبية، ودعمت «الإخوان»، كأيديولوجيا متطرفة عابرة للحدود الجغرافية التي أدت إلى زعزعة استقرار الداخل الليبي، كما أن التدخل التركي سيكون محدوداً، جغرافياً وزمنياً، بنفس محدودية قدراتها الدبلوماسية والاقتصادية ومستوى التنمية فيها، كدولة متوسطة الحجم لديها صفر ثقة مع دول المنطقة، ومع حاجتها الدائمة إلى دعم القوى العظمى، وربما أميركا وروسياً معاً. ولكن، هل النظام العربي سيتصدى لتدخلات القوى الإقليمية عبر العمل وأيضاً التنسيق المطلوب؟