تتزايد وتيرة قفز الجراثيم والميكروبات من الحيوانات البرية إلى الإنسان، ويتوقع أن يستمر هذا الوضع ويزداد حدة، إذا لم تُتخذ الإجراءات الكفيلة بحماية الحياة البرية، والمحافظة على البيئات الطبيعية، كانت هذه هي خلاصة تقرير صدر يوم الاثنين الماضي، عن لجنة علمية مشكّلة من خبراء برنامج الأمم المتحدة البيئي، وخبراء المعهد الدولي لأبحاث الماشية.
ويلقي التقرير باللوم على زيادة الطلب على البروتينات الحيوانية من قبل أفراد الجنس البشري، والممارسات الزراعية غير المستدامة، وعلى التغيرات المناخية الناتجة عن الأنشطة البشرية، فمثلاً، زاد إنتاج البروتينات من لحوم الماشية، بتبعاته وأضراره البيئية الجمة، بمقدار 260 في المئة خلال العقود الخمسة الماضية فقط، ويقدر القائمون على التقرير أن الأمراض التي تنتقل من الحيوانات إلى الإنسان، تقتل سنوياً 2 مليون شخص، كما أنها تسببت في خسائر اقتصادية خلال العقدين الماضيين، تقدر بمئة مليار دولار. ووفق آخر التقديرات، فسيضاف إلى هذا الضرر الاقتصادي، 9 تريليونات أخرى خلال عامين، جراء وباء كوفيد-19 الحالي.
ويشترك الإنسان والحيوان في عدد من الأمراض المعدية، تُعرف بالأمراض حيوانية المنشأ، وهي الأمراض التي تصيب الحيوانات في الأساس، الفقارية في الغالب، لتنتقل منها إلى الإنسان الذي يمكن أن يكون بدوره مصدر عدوى للآخرين، فمن بين أكثر من 1400 مرض معْد يصيب الإنسان، سواء في شكل عدوى فيروسية أو بكتيرية أو فطرية أو طفيلية، تشكل الأمراض حيوانية المنشأ أكثر من 60 بالمئة من هذه الأمراض، أي ما يعادل تقريباً ثلثي الأمراض المعدية التي تصيب أفراد الجنس البشري.
وتترابط وتتشابك العلاقة بين الإنسان والأمراض الحيوانية، مع التوقع بأن تزداد هذه العلاقة تعقداً، نتيجة ازدياد أعداد البشر، وبسبب تغولهم على البيئات الطبيعية، واستهلاكهم للمزيد من الحيوانات البرية التي تحمل في أعضائها وأنسجتها ميكروبات، تتعايش معها في سلام ووئام، لكن قد تتسبب هذه الفيروسات والميكروبات في أمراض وأوبئة وجوائح، إذا ما نجحت في القفز لأحد أفراد الجنس البشري.
ويطرح تقرير خبراء الأمم المتحدة، عدة استراتيجيات لمنع ظهور المزيد من الأوبئة المرضية في المستقبل، تتلخص في دعم وتشجيع الاستغلال المستدام للأراضي الزراعية، وزيادة وتحسين التنوع البيئي، بالترافق مع زيادة الاستثمار في البحث العلمي؛ وذلك بناءً على أن الأدلة العلمية تشير بشكل واضح إلى أننا إذا ما استمرينا في الاستغلال السيء للحياة البرية، وفي تدمير البيئات الطبيعية، فسيستمر مسلسل انتقال الجراثيم والميكروبات من الحيوانات إلى الإنسان خلال السنوات والعقود القادمة، ولذا، إذا ما عقدنا العزم بالفعل على تحقيق الوقاية المستقبلية لأفراد الجنس البشري من هذه الأوبئة المرضية، فلا بد أن نعمل جاهدين من الآن على حماية الحيوانات والبيئات الطبيعية، ووقف استغلالها وتدميرها.