قبل أسبوع، وفي خطوة غير عادية، استدعى الفاتيكان كلاً من سفيري الولايات المتحدة وإسرائيل، بشكل منفصل، للتعبير عن قلق البابا حول تحركات إسرائيل في فرض «سيادتها» على أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن، معرباً عن «قلق الكرسي الرسولي من الأفعال أحادية الجانب المحتملة، التي قد تعرّض البحث عن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين للخطر، فضلاً عن الوضع الدقيق في الشرق الأوسط».
الشاهد، أن موقف الفاتيكان إيجابي من القضية الفلسطينية، حيث كانت البابوية حاضرةً منذ زمن التفكير في «وطن قومي» ليهود العالم، عندما قدم «تيودور هيرتزل» في 1904 طلباً إلى البابا بيوس العاشر بالتدخل لإقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين، فرفض الفاتيكان وجاء الرد على لسان البابا نفسه: «نحن لا نستطيع أن نساند هذه الحركة (الصهيونية)، وأنا بصفتي رئيساً للكنيسة، لا أستطيع أن أجيبك خلاف ذلك. اليهود لم يعترفوا بسيدنا يسوع المسيح، لذلك لا يمكننا الاعتراف بوضع اليهود أياديهم على القدس». ولاحقاً، رفض البابا نفسه، وعلى نفس الأساس العقائدي، وعد بلفور. بل إن البابا بيوس الثاني عشر، ومع إعلان الدولة الإسرائيلية وتزايد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقف معلناً: «أسوأ ما يمكن أن يحدث للقدس هو أن تقع تحت سيطرة اليهود».
الفاتيكان، وفي عهد البابا فرنسيس تحديداً، بدأ يأخذ مبادرات على نحو متزايد في السياسة الخارجية. ومن هنا جاء في عهده الاعتراف بدولة فلسطين بشكل رسمي، حين تم في مايو 2015 توقيع اتفاقية ثنائية مع فلسطين، جاء فيه اعتراف صريح بـ«دولة فلسطين». وكما قال المونسنيور «أنطوان كاميليري»، مساعد وزير الخارجية لعلاقات بابا الكنيسة الكاثوليكية، والذي ترأس وفد الفاتيكان، فإن «الاتفاقية تهدف إلى تعزيز الحياة وأنشطة الكنيسة الكاثوليكية، والاعتراف بها على المستوى القانوني لخدمة المجتمع بفاعلية أكثر، وتعرب في الوقت نفسه عن الأمل في التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، والصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كجزء من حل للدولتين». وبالفعل، استبدل الكتاب السنوي لأعضاء السلك الدبلوماسي في الفاتيكان عبارة «تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية» بـ«ممثل دولة فلسطين»، بل وكان فرنسيس أول بابا يسافر مباشرة إلى الضفة الغربية المحتلة، وذلك في عام 2014، باعتبار الفاتيكان يتعامل رسمياً مع «دولة فلسطين» وبهذا الاسم الرسمي تحديداً. والكل يذكر دلالات توقفه أمام جدار الفصل العنصري بين القدس وبيت لحم للصلاة والدعاء.
ومن قبل، لم نسمع البابا يتحدث علناً عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو عادة، كغيره من الباباوات، يدافع عن حقوق الفلسطينيين، وعن حاجة إسرائيل للأمن. لكن التصريحات والمبادرات في السياسة الخارجية تزايدت في عهد البابا فرنسيس. وفي هذا السياق نذكر تحذيره، في فبراير الماضي، من مغبة «الحلول الجائرة» للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مضيفاً: «إنها لن تكون سوى مقدمة لأزمات جديدة»، وهي جملة فسرها المراقبون في حينه على أنها إشارة لـ«صفقة القرن». وقد قال البابا في ختام اجتماع للأساقفة من كل دول حوض البحر الأبيض المتوسط: «لا يمكننا أيضاً تجاهل الصراع الذي لم يحل بعد بين الإسرائيليين والفلسطينيين مع خطر الحلول الجائرة التي ستمهد تالياً لنشوب أزمات جديدة».

*كاتب وباحث سياسي