بدأنا التأقلم والتعايش والتصالح تدريجياً مع عودة الحياة إلى طبيعتها الاعتيادية، بعد أن حاصرتنا جائحة كورونا، التي فتكت بالعالم وأفلست الدول والشركات والمؤسسات والأفراد، من هول ما أصابت به البشريةَ من ذعر وخوف وهلع وقلق جعل العالم كلَّه مذعوراً أمام هذا الوباء الغريب، الذي لم يُعرف إلى الآن منشأه ولا كيفية علاجه للتصدى له وإخماده، رغم التطور الطبي والصحي والتقني والتكنولوجي الهائل في عصرنا الرقمي هذا.
وقد رضخت قوى كبرى أمام فيروس كورونا المستجد، ولم تستطع التعرف على أسبابه ولا النجاح في القضاء على نشاطه ولا في وقف انتشاره كلياً.
ومع كل هذه الاحتياطات الاحترازية وحالة الاستعداد والاستنفار العالمي، فقد أصبح لابد من التأقلم والتعايش مع الوباء الكوروني ومحاولة احتوائه، لكي تعود الحياة تدريجياً إلى طبيعتها، وحتى لا تنهار دول وتعلن إفلاسها الاقتصادي بسبب مرض لم يجد إلى الآن مصلاً أو مضاداً مقاوماً له.
هذا الفيروس الذي غزا العالم وأدخل الناس في جحورهم، هو ما يحاولون الآن التحرر منه كي يخرجوا مرة أخرى إلى شوارعهم ويعودوا إلى أعمالهم، حتى يستمرون في العيش والحركة بعد أن عصفت الجائحة بالحياة وأربكتها وشلتها. 
وبعد مرور كل هذا الوقت من الحجر الصحي والحصار داخل البيوت وعدم القدرة على الحركة.. هل تعلمنا من هذه التجربة القاسية المزعجة ما يكفي لكي نستعد لأزمات ممثالة (لا سمح الله)، لاسيما أن العالم أصبح موبوءاً ومضطرباً وملوثاً وقلقاً وغير آمن ولا مستقر.. بسبب الحروب والتوترات والصراعات الدولية والإقليمية والطائفية والعرقية، والتناحرات على الموارد (لاسيما الماء والنفط)، وكأن العالم اليوم يعيدنا إلى العصور القديمة، لنشهد غزوات القبائل والعشائر والأقليات وقطاع الطرق.. يتقاتلون ويتصارعون على المأكل والمشرب ومضارب المراعي؟! هل تعلمنا من هذه الأزمة الصحية القاسية حتى ندير أزماتنا بدون أي تدخلات خارجية، ونكون مستعدين ومستنفرين ومتأهبين دائماً لحماية أوطاننا ومجتماعتنا وأفرادنا، من أي طارئ جديد، ونعرف مالنا وما علينا؟ 
دولنا لها خصوصيتها الثقافية وتقاليدها العريقة النابعة من هذه الخصوصية. ولا شك أن تجربة الإغلاق في زمن كورونا أظهرت أيضاً معدننا النفيس النابع هو كذلك من تلك الخصوصية وقيمها الأصيلة. ورب ضارة نافعة، فمن هذه التجربة سنستخلص عبراً مفيدة ودروساً قيمة، لاسيما من المعاناة التي تعرضت لها دول ومجتمعات أخرى كثيرة عبر العالم. فمن هذه الدول والمجتمعات من نجح واجتاز الأزمة، ومنها من ارتبك واستسلم، ومنها من حاول الاستفادة من أخطائه بعد أن تلقى دروساً قاسية أعادت الكثير من إنجازاته إلى الصفر، ليبدأ مرة أخرى سباقاً آخر نحو المجهول عبر طرق وعرة محفوفة بالمخاطر والأشواك. 
وفي أنحاء كثيرة من العالم، أظهرت أزمة كورونا جشع الإنسان وطمعه ونواياه الشريرة حيال أخيه الإنسان، إذ تجرد من إنسانيته وأصبح يتحرك بلا وعي ولا فكر ولا ضمير ولا وازع يردعه ويعيده إلى صوابه حتى يستخلص دروس التجربة وحِكمها وعِبرها الثمينة.


*كاتب سعودي