يقول الكاتب الأميركي روبرت غرين، في كتابه «قواعد السطوة»: «يمكنك أن تتعرف بسهولة على من يتبرأون من اللعب للسطوة، من تباهيهم بالتقوى والورع والفضيلة، لكن لو تأملتهم جيداً لوجدتهم متعطشين للسطوة، بل أنهم من أمهر اللاعبين من أجلها، وما استعراضهم المسرحي للتقوى إلا وسيلة لذر الرماد في العيون، حتى لا يكتشف الآخرون حيلهم».
وبالنسبة لنا نحن العرب، فربما تعود بداية إلباس الطمع في السطوة ثوب الدين، إلى عصور بعيدة، حين صارت النزعات التسلطية تتخذ من الدين وسيلة أو مبرراً لتغليف هذا الشأن الدنيوي بغلالة دينية.
وفي كل مراحل التاريخ، كانت المراهنة تنطلق من عمل حساب لفاعلية البعد العاطفي لدى عامة الناس، ومدى حبهم وانحيازهم التلقائي للدين ولكل ما يتصل به، سواء أكان ذلك الاتصال والترابط مشروعاً ومعقولاً أم انتهازياً، ولا يصح ربطه أو إلحاقه بالثوابت الدينية.
ولأن الشواهد التاريخية حول توظيف الدين في الصراعات السياسية كثيرة، ولا تخلو منها الأحداث المفصلية والحروب العديدة، التي وقعت قبل أن يبتكر المنظرون مصطلح «الحروب الأهلية»، فسوف نركز على وقتنا الحاضر، وتحديداً التيار الإخواني الذي تمكن خلال العقود الماضية من غزو القواعد الاجتماعية في العالم العربي والإسلامي، فوقع الكثيرون في الخلط بين الإسلام كدين، وبين الجماعات التي تستغل الدين وتنسبه لنفسها، بقصد استغلال تأثيره الوجداني على صناعة الأتباع والأنصار.
مشكلتنا في العالم العربي تحديداً هي ارتفاع نسبة الأمية في أوساط المجتمعات، وعندما نقول «أمية»، فلا نقصد هنا أن الأمر يتوقف عند حدود نسبة الذين يعانون من أمية الجهل بالقراءة والكتابة، بل بالعكس، خاصة في عصرنا الحديث، حيث تحصل الأغلبية على مستوى معقول من التعليم، بما في ذلك الدراسات التخصصية في مختلف الحقول التكنولوجية منها والعلمية بشتى أنواعها، لكن هذا لا يجعل هذه الفئة من الناس محصنة من الوقوع في شراك الخطاب الديني العاطفي، بمعنى أن كل من حصل على قدر من التعليم العصري الحديث، ليس متحرراً بالضرورة بشكل نهائي من الأمية بمعناها الشامل، إذ يظل البعض قابلاً للسقوط في فخ التأثر بالخطاب الديني التحريضي، وبخاصة عندما يكون المتلقي غير متعمق في الثقافة الإسلامية، وهذه إشكالية بحاجة إلى حلول.
ولاحظنا في الفترة الأخيرة، بعد تسجيلات القذافي، أن فضائح المتاجرين بالدين قد كثرت، وبدأ التذمر والسخط يعم أغلب المجتمعات العربية من نفاقهم وزيفهم وحبهم للنجومية، وتسلقهم على حساب الدين لتحقيق مكاسب سياسية ومادية، كما بدأ الناس يضيقون ويعبّرون عن تذمرهم وكشفهم للخداع والتضليل، الذي يمارسه أولئك المتأسلمين والمرتبطين بالأجندة الإخوانية، وهذا أمر جيد بأن يكشف عامة الناس، وبعد كل تلك العقود من الزمن، حقيقة أولئك الذين يتلاعبون بعقول البسطاء لصالح أجندات إخوانية واستخباراتية إقليمية ودولية.
لقد قامت دولة الإمارات، وبشعور وطني وقومي عالي المستوى، بما عليها تجاه أمن شعبها وأمتها، من خلال الإجراءات القانونية الصارمة، التي وضعت حداً نهائياً لمشروع «الإخوان»، ولأي محاولة استغلال كانت تهدف لجعل الإمارات منصةً لرفد التنظيم وفروعه بالأموال والأفراد، ويبقى على بقية الأقطار الشقيقة التي لا تزال بها خلايا إخوانية نائمة أو خلايا مستيقظة، وكلها خلايا سرطانية قابلة للتمدد والانتشار، وإلحاق الضرر بالأوطان، وإدخالها في متاهة الفوضى، أن تنتبه للخطر وللاستغلال الإخواني البشع للإمكانيات المالية والإعلامية وللأمان، الذي يتحركون في إطاره لتحقيق أهدافهم المشبوهة، فقد حان الوقت لمحاكمتهم على خيانتهم لأوطانهم.