يحتل التطوع موقعاً مهماً ضمن منظومة من العوامل التي تضافرت لتجعل من دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً للنجاح في احتواء أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). ولقد كان التطوع من بين المفاهيم التي حرصت دولة الإمارات على وضع أسسها وتفعيل دورها، الذي يُعدُّ ضرورياً لأي دولة أو مجتمع يتطلَّع إلى التقدم بثبات نحو الصدارة العالمية. وكانت مسيرة التطوع في دولة الإمارات تحقق توسعاً وتطوراً ملحوظَين، لكنها خلال أزمة كورونا اتخذت بعداً أكثر أهمية، بالنظر إلى طبيعة التحدي وخطورته على مستويات عدَّة.
وقد صرَّح الدكتور سيف الظاهري، المتحدث الرسمي باسم الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، في الجلسة الأولى لـ«ملتقى تطوُّع الغد»، التي عُقِدت يوم الأحد 12 يوليو 2020، بأن عدد المتطوعين من أجل مكافحة كورونا وصل إلى 22 ألف متطوع من 150 جنسية، من بينهم 7 آلاف متخصص في المجالين الطبي والصحي. وتنطوي هذه المعلومات على دلالات مهمة يلزم التوقف عندها.
أولى هذه الدلالات هي القدرة على حشد هذا العدد من المتطوعين في وقت قصير نسبياً، ولاسيَّما مع طبيعة التحدي الذي يفرض امتلاك معظم المتطوعين مهارات وقدرات خاصة تختلف عن مجالات التطوع الأخرى. ووجود 7 آلاف متطوع من المتخصصين في الطب والمجال الصحي عموماً يكشف عن مجتمع ثريّ بالمهارات والكفاءات، ففي الوقت الذي أصبح فيه نقص الكادر الطبي والصحي مشكلة في أعرق الدول والأنظمة الصحية حول العالم، فإن دولة الإمارات استطاعت سريعاً توفير القوة البشرية المتخصصة القادرة على مواجهة الظروف الصعبة.
كذلك فإن توزُّع المتطوعين على 150 جنسية يعكس حالة فريدة من المحبة والانصهار والانتماء تجمع كل من يعيشون على أرض هذا البلد المعطاء، ذلك أنه لم يمنحهم فرصة للعمل وكسب الرزق فقط، بل قدَّم إليهم كل المشاعر الطيبة التي تُعلي من احترام إنسانية الإنسان وتقديره، وتوفير كل ما يضمن له الكرامة والعدالة والأمن والتفاؤل والثقة بالمستقبل. وربما يمكن فهم جزء من هذه العلاقة إذا عدنا إلى حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، الفيَّاض بالمشاعر، في نهاية مارس الماضي، عن أن عينيه قد دمعتا حين سمع المقيمين في دولة الإمارات ينشدون النشيد الوطني الإماراتي بصورة عفوية عند بدء برنامج التعقيم الوطني.
ويكتسب التطوع خلال أزمة كورونا أهمية خاصة، ذلك أن كثيرين ربما يترددون في التطوع خوفاً من المرض الفتَّاك، في ظل ارتفاع أعداد الوفيات إلى مئات الآلاف حول العالم، وسهولة الإصابة، وسرعة الانتشار، غير أن كثافة الإقبال على التطوع في دولة الإمارات أكَّدت أن الانتماء والولاء والمشاعر الوطنية الصادقة أقوى من الخوف ومن المرض. يُضَاف إلى ما سبق أن لدى المتطوعين ثقة مطلقة بأن الدولة ستوفر لهم أعلى مستويات الأمان، ولن تقصّر في حمايتهم من الخطر مهما بدا ضئيلاً.
وقد كان إنشاء «اللجنة الوطنية العليا لتنظيم التطوع»، في 8 أبريل 2020، برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، خطوة مهمة على طريق توحيد الجهود الوطنية وتنسيقها، واتخاذ القرارات التي تضمن حشد كل الطاقات بأيسر الطرق الممكنة، وهو ما اتضحت نتائجه في العدد الكبير من المتطوعين، إلى جانب تخصصاتهم ومهاراتهم التي تجعلهم قادرين على تقديم مساعدة نوعية في معالجة الأزمة.
إن مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة عرف التطوع منذ وقت طويل، لكن أزمة كورونا مضت به خطوات إلى الأمام على طريق حوكمته وتنظيمه والاستفادة المُثلى من فائض ثروة «الرغبة في العطاء» لدى مواطني الدولة والمقيمين فيها على حد سواء، وقدَّمت أدلة جديدة على عمق الولاء والانتماء إلى «دار زايد»، واحة الأمن والخير.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.