عندما وضع أحمد داود أوغلو، رئيس وزراء تركيا السابق، كتابه «العمق الاستراتيجي»، كمرجع لسياسات حزب «العدالة والتنمية» الذي يحكم البلاد منذ نحو عقدين من الزمن، لم يحافظ الحزب على نظرية الكتاب القائمة على تصفير المشاكل، بل استبدله بسياسة تعظيم المشاكل، بالتزامن مع اندلاع ما يسمى «ثورات الربيع العربي»، ودعم الإسلام السياسي بكافة أشكاله المتطرفة في العالم العربي. بمعنى أن الطريق الذي سار به هذا الحزب نحو العرب، كان مبهم التوجهات في بداياته! فكان يتظاهر بالعلمانية المؤمنة؛ لذر الرماد في العيون تجاه أية معارضة علمانية، لكنه في الخفاء يعمل خلاف ذلك، وهذا ديدن جماعة «الإخوان» الإرهابية التي تظهر عكس ما تبطن.
إن نموذج «العدالة والتنمية» أدخل تركيا في سلسلة من الأزمات بفعل رهاناته الخاطئة على التيارات الإسلاموية، ودخل في توترات غير مسبوقة، ليس على مستوى الدول العربية، بل على مستوى العالم. والأرجح، أن تركيا ستخسر مستقبلاً بسبب سياستها الصدامية، فهي حالياً في حالة صدام مع الجميع، وشعر «إخوانها» الآن أنه لديهم فائض من القوة والتفوق في قطاعات عدة، وأن تركيا اليوم، ليست هي نفسها المهزومة في الحرب العالمية الأولى، والتي جعلتها في حالة خنوع بعد تقسيم مستعمراتها العربية، والتي ترغب في استعادة النفوذ فيها الآن، وإعادة النظر في معاهدة «لوزان» (1923)، أي العودة إلى الوراء نحو قرن من الزمن، منذ أن فرض المنتصر شروطه لتفكيك الإمبراطورية العثمانية.
الهوية الجديدة التي يطمح إليها أردوغان، هي تغيير تركيا من دولة علمانية إلى دولة ذات طابع «إخواني»، مع استقطاب شرائح وتنظيمات، ليس في الداخل التركي فقط، بل في العالمين العربي والإسلامي، وذلك عبر دغدغة العاطفة الإسلامية التي تميزنا، نحن الشرقيين.
ثمة دوافع عدة تقف وراء الدعم التركي للتيارات الإسلامية، وتحديداً «الإخوان»؛ فالقضية المركزية للطرفين تتمثل في عودة «الخلافة الإسلامية»، لكن بصورة تقوم على التدرج في تمتين الروابط السياسية والاقتصادية والعسكرية بين بلدان العالم الإسلامي. وعلى المستوى الداخلي التركي، يرغب أردوغان في القضاء على الهوية العلمانية التي وضعها مصطفى كمال أتاتورك، وبطريقة متدرجة أيضاً.
وعلى الرغم من وجود انشقاقات في حزب أردوغان ومتاعب اقتصادية متعددة، فإن التوجهات الأخيرة نحو إحياء التاريخ العثماني البائد ازدادت، مع الحرص على تحييد المؤسسة العسكرية التي سبق لها التدخل أربع مرات لإقالة الحكومة.

*كاتب إماراتي