بعد نجاح برنامج صندوق النقد الدولي الذي يرمي لإصلاح الاقتصاد المصري بدءاً من عام 2016 بقرض بلغ 12 مليار دولار، وبعد «تعويم» سعر صرف الجنيه باعتماد السوق الحر، يحاول الصندوق «تعميم» التجربة المصرية في عدد من الدول الناشئة التي تطلب مساعدته، وبينها بعض الدول العربية التي تواجه أزمات مالية واقتصادية متتالية، في ضوء التطورات الإقليمية والدولية.
وعلى رغم توقعاته بخفض النمو من 5.6% العام الماضي إلى 2% العام الحالي و2.8% في العام المقبل، فقد وصف الصندوق مصر بأنها الدولة العربية الوحيدة التي تحقق نمواً في ظل تداعيات «كورونا». وأشارت وزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد إلى أن مصر حققت أعلى معدل نمو بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأكدت «نجاح الدولة في تطبيق البرنامج الإصلاحي»، ولذلك وافق الصندوق في يونيو الماضي على مساعدات طارئة لمصر بقيمة 5.2 مليار دولار تصرف على مدى 12 شهراً لتعزيز قدرتها على مواجهة التداعيات. وساهم ذلك بإنعاش وتيرة الاستثمارات الأجنبية في ظل سياسات «السوق الحر»، وبما يتيح دخول وخروج الأموال.
وبما أن جائحة «كورونا» سببت نزوح أكثر من 83 مليار دولار من الأسواق الناشئة في مارس الماضي (وفق معهد التمويل الدولي)، فإن المستثمرين الأجانب أخرجوا من مصر 15 مليار دولار خلال شهري مارس وأبريل، من دون قوائم انتظار كما كان يحدث في الماضي، ولكن نجاح البنك المركزي في استعادة ثقة المؤسسات الدولية، ساهم في عودة سريعة للاستثمارات الأجنبية، خصوصاً في أذون الخزانة التي قفزت إلى 10 مليارات دولار، لتبدأ في استعادة معدلاتها السابقة التي تجاوزت 23 مليار دولار. مع العلم أن تطور الأرقام يؤكد أن مصر باتت الوجهة الأفضل للاستثمار أمام الصناديق الدولية بين الأسواق الناشئة.
ولكن هل ينجح صندوق النقد في «تعميم» نجاح التجربة المصرية على البلدان التي تطلب مساعدته؟...
من الطبيعي أن تختلف مكونات برنامج الصندوق وشروطه بين بلد وآخر، لجهة إمكانية «تعويم» عملته الوطنية. فالأردن مثلاً، يعتمد في الأساس سعر صرف «معوم» للدينار المرتبط بالدولار الأميركي، وعلى رغم أنه يتعاون مع الصندوق منذ 31 سنة، فهو يشكو من أن تطبيق برامجه لم يحقق أهدافها المرجوة، لعدم توافر سياسات اقتصادية ذات بُعد تنموي. أما بالنسبة للمغرب، فقد بدأ «تعويم» عملته بالتنسيق والتشاور مع الصندوق في يناير 2018، باعتماد نظام صرف ثابت وبمرونة تسمح للدرهم بالتحرك صعوداً وهبوطاً بنسبة 2.5%، واستمرت حتى مارس الماضي عندما قررت الرباط الانتقال للمرحلة الثانية برفع النسبة إلى 5%، وذلك لتقوية مناعة الاقتصاد إزاء الصدمات الخارجية ودعم تنافسيته وتحسين مستوى نموه، وتمكينه من الانفتاح والاندماج في الاقتصاد العالمي. ويتوقع الخبراء أن يتطلب الوصول إلى نظام «عائم» مدة طويلة قد تتجاوز 15 سنة، في وقت يستعجل فيه الصندوق الخطوات التنفيذية. ونأتي أخيراً إلى لبنان الذي وصف البنك الدولي أزمته بـ«الكارثة المالية». ويبدو بشكل واضح أن التجربة المصرية قد تتفق مع الوضع اللبناني لجهة الهدف بـ«تعويم» النقد، إلا أنها تختلف اختلافاً كبيراً لجهة وحدة الموقف، فضلاً عن تشخيص الأزمة اللبنانية، ومعالجتها في ظل التطورات السياسية الإقليمية والدولية المتناقضة والمتداخلة فيها. مع العلم أن سياسة «تثبيت» السعر وفرت الاستقرار المالي والنقدي طوال 25 سنة، إلا أن العودة إليها تواجه معارضة كبيرة، وفي حين يؤكد الصندوق ضرورة اعتماد السعر «المعوم»، تتمسك وزارة المال باعتماد السعر «المرن» مع هامش محدد للصعود والهبوط.

*كاتب لبناني