ليس من قبيل المصادفة أن يفتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قبل أيام مزرعة «الفيش فارم» في دبي، فيما كان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة مع بعض الشباب في مزارعهم الخاصة بمدينة العين، لأن ذلك يعكس اهتمام الحكومة بالملف الغذائي، وخصوصاً خلال أزمة كورونا التي تعتبر «فرصة» للتحدي بروح عالية وثقة كبيرة.
لا شك أن تعزيز القطاع الزراعي وتطوير وسائل إنتاج الغذاء المحلي، هو توجه استراتيجي أصيل بالنسبة للإمارات تبناه الوالد زايد - طيب الله ثراه- مذ تحدى وبإصرار عجيب الصعوبات والعراقيل التي وقفت أمام تطبيق نظم الزراعة التقليدية في ظل الطقس الحار والبيئة الصحراوية، وندرة المياه، وقلة الأراضي الصالحة للزراعة. حينها لم تفلح الأصوات التي ارتفعت - مؤكدة بعدم جدوى الزراعة - أن تثني الشيخ زايد عما كان يهدف إليه، وبدأ المشروع الزراعي، ثم قدم الدعم السخي للمزارعين وشجعهم على مواصلة عملهم في هذا القطاع الحيوي من منطلق إيمانه بأهمية الاعتماد على الذات في ما يخص احتياجاتنا الغذائية، ولا أنسى مقولته التي كان يرددها (أعطوني زراعة، أضمن لكم الحضارة).
ضمن هذا السياق أنشأت الإمارات وزارة خاصة بالأمن الغذائي، مما أتاح للجهات المعنية بقضية الأمن الغذائي في الدولة وضع إطار سياسي وهيكل تنظيمي حدد أدوارها لبلوغ الهدف المنشود، وقبل نحو 10 سنوات اتخذت الإمارات عدة خطوات في إطار استعدادها للتعامل مع الأزمات، فأسست تحالفاً للأمن الغذائي يتألف من 14 شركة وطنية وضعت استثمارات كبيرة في الإنتاج الزراعي وسلاسل إمداد الغذاء، واحتفظت بمخزون استراتيجي من السلع الرئيسية.
والواقع يشهد بأن الإمارات استعدت مبكراً لأية طوارئ، ووضعت الحلول للمشكلات المحتملة وبما يقلل من الاستيراد في حال وقوعها، ثم عززت الإنتاج المحلي، واعتمدت تكنولوجيا الزراعة المتطورة كخيار أمثل لإنتاج مختلف أنواع الغذاء. وضمن هذه المساعي خصصت أبوظبي حزمة حوافز مالية بقيمة مليار درهم لدعم الاستثمار في المشاريع الزراعية، ونجحت في استقطاب شركات عالمية تدعم جهود البحث العلمي والتطوير في مجال التكنولوجيا الزراعية لجعل أبوظبي مركزاً رائداً للابتكار الزراعي في البيئات الصحراوية. وفي الإطار ذاته رفع الجهاز المصرفي وتيرة دعمه للقطاع الزراعي خلال العام الجاري وذلك بضخه أكثر من 500 مليون درهم كتسهيلات مالية للمزارعين تشجيعاً لهم، كما أطلقت الحكومة النظام الوطني للزراعة المستدامة بهدف زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية، وزيادة القوى العاملة وفتح مزيد من الاستثمارات في هذا القطاع، وإحداث تغييرات استباقية في النظم الغذائية والزراعية لتعزيز أمننا الغذائي، إلى جانب توظيف التكنولوجيا لرفع الإنتاجية الغذائية. كل ما سبق قاد مجلة «فوربس» لنشر تقرير مهم يشير إلى أن الإمارات في طليعة الدول التي تعيد اختراع الزراعة من خلال طرح تصورات ومفاهيم جديدة لها تختلف جذرياً عن المفاهيم التقليدية للزراعة التي عهدتها البشرية منذ سنين، مما يؤهلها لأن تصبح المركز العالمي الرائد للأمن الغذائي المعزز بالتقنيات الحديثة بحلول 2051، في حين تصنف ضمن أعلى 10 دول في العالم على مؤشر الأمن الغذائي العالمي في الوقت الراهن.
إن المكانة التي بلغتها الإمارات تلزمنا جميعاً أن نتكاتف لدعم المنتج الزراعي المحلي أكثر من أي وقت مضى، فالغذاء سلعتنا الاستراتيجية، والتوسع في إنتاجه محلياً وصولاً إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي هو قرار سليم 100%.