من الطبيعي أن يحدث تغيير في السياسة الأميركية، سواء في الداخل أو الخارج، بعد الانتخابات الرئاسية. يحدث هذا التغيير عادة، سواء أكان الفائز هو ساكن البيت الأبيض (حين يحصل على ولاية ثانية)، أم منافسه. ومن الطبيعي أيضاً أن يكون التغيير أقل، في حالة فوز رئيس بولاية ثانية. 
والمتوقع أن يحدث مثل هذا بعد الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر المقبل. سيراجع الرئيس ترامب بعض السياسات التي تبناها في فترة رئاسته الأولى. لكن هذه المراجعة قد تأخذ صورة تعديل في عدد من السياسات، وليس تغييراً كبيراً فيها. إذ يبدو ترامب، حتى اللحظة، مقتنعاً بصواب الاتجاهات الأساسية في سياساته.
لكن الأمر سيختلف في حالة فوز منافسه جو بايدن، مرشح «الحزب الديمقراطي». ولم يعد هذا الاحتمال مستبعداً، بعد أن حقق بايدن تقدماً على ترامب في استطلاعات الرأي العام الأخيرة، دون أن يعني هذا أن السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض حُسم. مازال هناك أكثر من ثلاثة أشهر حتى موعد الانتخابات. وهذه فترة طويلة بمقاييس الانتخابات الأميركية، خاصة أنها الفترة التي يحدد الناخبون المترددون خلالها، وغالباً قرب نهايتها، موقفهم.
ومع ذلك، يتعين التفكير في حدود التغيير الذي يمكن أن يحدث في السياسات الأميركية حال فوز بايدن. وإذا تأملنا خطاب بايدن الانتخابي، ربما نستنتج أن التغيير المحتمل سيكون أكبر في السياسات الداخلية منه في السياسة الخارجية. والأرجح أن يكون هذا التغيير الداخلي في السياسة البيئية أكبر منه في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، التي تفيد الخبرات السابقة أن الفروق بين مرشحي الحزبين، «الديمقراطي» و«الجمهوري»، تقل حين يدخلون البيت الأبيض، مقارنةً بما كانت عليه في خطاباتهم الانتخابية. وقد أعلن بايدن، مثلاً، قبل أيام خطة للإصلاح البيئي، تتضمن التزاماً بضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية للطاقة النظيفة، بهدف خفض انبعاثات الكربون. وربما تكون هذه الخطة، إذا التزم بها في حال فوزه، التغيير الأهم في السياسات الداخلية. والأرجح أن تترتب عليه عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس للمناخ، الذي انسحبت منه في نوفمبر 2019.
غير أن التغيير المحتمل في سياسة أميركا الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط، ربما يكون أقل مما يتوقعه غير قليل من الخبراء. ورغم أن بايدن كان من مؤيدي الاتفاق حول برنامج إيران النووي عام 2015، وممن انتقدوا سحب الرئيس ترامب توقيع أميركا عليه عام 2018، فلن تكون سهلة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، والعودة إلى هذا الاتفاق بعد أن جرت مياه كثيرة في النهر، خاصة في ظل فاعلية العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على طهران. وهذا ما نفهمه من حديث مستشار بايدن للشؤون الدولية أنتوني بلينكن، الذي كان نائباً لوزير الخارجية في إدارة أوباما، وقوله: إن أوضاعاً كثيرة اختلفت منذ انسحاب واشنطن من ذلك الاتفاق.
ربما تفتح إدارة بايدن، في حالة فوزه، نافذة صغيرة لإيران لاختبار ما إذا كان استمرار تشددها يُمثل رد فعل على سياسة إدارة ترامب الصارمة ضدها، أم يُعد اتجاهاً لا رجعة عنه. ويصعب تصور أن يُحدث بايدن تغييراً في سياسة الإدارة الحالية تجاه إيران، ما لم تُبد استعداداً واضحاً لإعادة النظر في توجهاتها حيال منطقة الشرق الأوسط والعالم. أما الاعتقاد بأن بايدن يمكن أن يُجري مراجعة كبيرة في سياسة إدارة ترامب تجاه طهران، بما في ذلك رفع العقوبات، فهو من قبيل التبسيط المُخل الذي لا تسنده معطيات الواقع.
أما بالنسبة للملف الثاني المثير للجدل في منطقتنا، وهو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فالأرجح أن تديره إدارة بايدن بحذر أيضاً. وعلى هذا الأساس يمكن أن يشمل التغيير المتوقع تجميد حظة التسوية التي يُطلق عليها «صفقة القرن»، والسعي إلى التفاهم مع حكومة نتنياهو على رفع قضية ضم مناطق في الضفة الغربية من جدول أعمالها، على الأقل لفترة تسعى خلالها إدارة بايدن المحتملة إلى بلورة صيغة أخرى، بأمل استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل. أما القرارات التي اتخذتها إدارة ترامب وأثارت جدلاً واسعاً، وفي مقدمتها قرارا الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، فالأرجح أن تغض هذه الإدارة المحتملة النظر عنها، وتحاول في المقابل أن تخفف حدة التوتر الذي ترتب عليها.