ربما ليس من قبيل الصدف أن البلدان التي تتعاطى مع فيروس كورونا بطريقة سيئة، بلدان يقودها زعماء غير ليبراليين. 
كثيرون كتبوا عن اتساع الهوة بين ترامب وأنتوني فاوتشي، مدير «المعهد الوطني للأمراض المعدية» في أميركا. ومن أسباب ذلك، أن ترامب منزعج أيضاً من معدل التأييد الشعبي لفاوتشي. فقد أظهر استطلاع حديث للرأي أجرته «نيويورك تايمز» وكلية «سينا كوليدج» أن 67 في المئة من الناخبين يثقون في فاوتشي بخصوص المعلومات حول فيروس كورونا، مقارنة مع 26 في المئة يثقون في ترامب. 
وداخل التقرير يوجد ردٌّ من البيت الأبيض مفاجئ حقاً: مسؤول من البيت الأبيض أفرج عن بيان يقول إن عدداً من مسؤولي البيت الأبيض قلقون بشأن المرات التي أخطأ فيها د. فاوتشي، وضمّنه قائمة طويلة من تصريحات العالِم من الأيام الأولى لانتشار الفيروس. تصريحات شملت شكوكه الأولى في أن الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض الإصابة يمكن أن يلعبوا دوراً مهماً في نشر الفيروس. كما يشيرون إلى تطمينات للرأي العام صدرت عن فاوتشي أواخر فبراير من أنه «ليس هناك في الوقت الراهن أي حاجة لتغيير أي شيء تقومون به بشكل يومي».
ماغي هابرمان، من صحيفة «نيويورك تايمز»، وصفت هذا بأنه عملية نبش في تاريخ الرجل بهدف تشويه سمعته، وهي ليست مخطئة. ذلك أنه من الغريب بصراحة أن يهاجم البيت الأبيض خبيراً يحظى بمعدلات ثقة أعلى بكثير من معدل الرئيس، في محاولة لتغيير وضع كفتي الميزان. ووفق جوش ليدرمان وكيلي أودونل من قناة «إن بي سي نيوز»، فإن «نيران البيت الأبيض يبدو أنها تستهدف إضعاف ثقة الجمهور في عِالم المناعة الشهير، على أمل أن يصبح الأميركيون أكثر ميلاً إلى تصديق رواية ترامب الأكثر تفاؤلاً، مع اقتراب موعد انتخابات نوفمبر».
ولكن، هل ستنجح المحاولة؟ الحق أن محاولة النبش في تصريحات «فاوتشي» السابقة ليست مجانبة للصواب كلياً. ذلك أن «فاوتشي»، وعلى غرار خبراء آخرين، أخطأ في تقدير بعض جوانب فيروس كورونا المستجد في المراحل الأولى. غير أنه لا بد من الإشارة إلى أن الميزة النسبية لفاوتشي، هي أنه كان صريحاً بشكل لافت، بخصوص تغير موقفه مع تفاقم الوضع الوبائي.
ولنتأمل، على سبيل المثال، موقف «فاوتشي» بشأن ارتداء الكمامات في الأماكن العامة. فمن الشائع أن ينتقد المنتقدون «فاوتشي» وغيره من خبراء الصحة العامة لأنهم لم يحثّوا الجمهور على ارتداء الكمامات في بداية انتشار الوباء. ولكن إذا تأملت تصريحاته الأولى حول هذا الموضوع، ستجد أنه كان صريحاً بشأن ضرورة إيلاء الأولوية للمرضى والموظفين الطبيين العاملين على الخط الأمامي، بخصوص الكمامات. 
والواقع أن رسالته بخصوص هذا الموضوع لم تتغير منذ مارس الماضي؛ وما تغير هو توفر الكمامات. ففي منتصف يونيو، قال «فاوتشي» في مقابلة صحافية معه: «لقد كنا نرغب في التأكد من أن الأشخاص الذي تحلوا بما يكفي من الشجاعة ليعرّضوا أنفسهم للخطر، وأقصد بذلك العاملين في قطاع الرعاية الصحية»، لديهم أكبر عدد ممكن من الكمامات. 
وهذا ينسجم مع ما كتبته صحيفة «واشنطن بوست» من أن «فاوتشي صرّح بأنه كان قلقاً خلال المراحل الأولى من الوباء بشأن نقص في الكمامات، وكان يريد أن يحجزها لعمال الرعاية الصحية». وإذا كان فاوتشي قد عدّل موقفه من هذا الموضوع، فإن هذا التعديل تمثّل في الغالب في الاعتراف بأن ما قاله في مارس أرسل إشارات متضاربة إلى الجمهور الأميركي، إذ قال: «يجب أن نعترف بأن الرسالة التي كانت مشوشة في البداية أضرت بإيصال الرسالة، رغم أن هدفها كان هو توفير الكمامات وجعلها متاحة للعاملين الصحيين». غير أنه بالمقارنة مع مسؤولين آخرين عن مجال الصحة العامة، كان فاوتشي أكثر وضوحاً بكثير من «الجرّاح العام الأميركي» جيرومي أدامس مثلاً. 
وإذا كان لدى الشعبويين امتياز في الخطاب العام، فإنه غالباً ما يتمثل في تقديم أنفسهم على أنهم صرحاء يقولون الحقيقة كما هي (حتى عندما يكذبون) في عالم حافل بالكلام الفارغ والتفاهات. غير أن فاوتشي يُظهر كيف يمكن استخدام الصراحة كطريقة للحفاظ على المصداقية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»