ندرك جميعاً أن قضاء وقت طويل أمام شاشة التلفزيون، يتسبب في آثار سلبية على الصحة البدنية والصحة النفسية، وإن كان على ما يبدو أن عمق وفداحة هذا التأثير، هو أكبر مما نعتقد، فعلى حسب دراسة صدرت عن جامعة «جلاسجو» نهاية الأسبوع الماضي، يمكن تحديد وقت مشاهدة التلفزيون لساعتين فقط يومياً، أن يخفض من الوفيات المبكرة بنسبة 6%، ومن الوفيات الناتجة عن أمراض القلب والشرايين بنسبة 8% تقريباً.
ومن الواضح هنا، أن مشاهدة التلفزيون ليست في حد ذاتها هي السبب في الإصابة بأمراض القلب والشرايين، والأمراض السرطانية، وإنما ما يتصاحب معها من جلوس دون حراك لساعات طويلة، ضمن نمط حياة يسيطر عليه الكسل، وتقل فيه ممارسة الرياضة والنشاط البدني، والملاحظ خلال العقود الأخيرة زيادة الإصابات والوفيات، الناتجة عما يعرف بالأمراض غير المعدية، والتي يطلق عليها أحياناً اسم أمراض الثراء أو الأغنياء، وإن كانت هذه التسمية غير دقيقة، حيث أصبحت هذه الأمراض تنتشر أيضاً على نطاق واسع بين شعوب الدول النامية والفقيرة، وتضم هذه الطائفة على سبيل المثال لا الحصر: داء السكري، والسمنة، وأمراض القلب، والسرطان، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض المناعة الذاتية، والربو الشعبي.
وعلى رغم أن قلة النشاط الحركي، وندرة ممارسة الرياضة، أو الكسل البدني إجمالاً، دائماً ما يذكر كأحد الأسباب الرئيسية خلف الأمراض غير المعدية، إلا أن الكسل البدني لا زال لا ينال الاهتمام الكافي في الوعي العام، على رغم أنه يساوي -أو ربما يزيد- في أهميته عن العادات الغذائية السيئة، وبالتحديد تناول الأطعمة مرتفعة السعرات الحرارية، ولذا قد يرى البعض أن السمنة ربما تكون بسبب قلة الحركة، أكثر من كونها بسبب زيادة كميات الطعام، وهذا الرأي يشكل الخلفية التي جعلت منظمة الصحة العالمية تصنف الكسل البدني كمشكلة صحية عالمية، في ظل الدراسات التي تظهر أن 60% من أفراد الجنس البشري لا يمارسون الحد الأدنى من النشاط البدني، الكفيل بوقايتهم من الأمراض، وتحسين صحتهم بوجه عام.
وبخلاف الصحة البدنية، يبدو أيضاً أن لقضاء وقت طويل أمام شاشة التلفزيون، له تبعات على القدرات العقلية، وخصوصاً من بلغوا العقد الخامس من العمر، فعلى حسب دراسة أخرى نشرت العام الماضي، أجراها علماء «يونيفرستي كولدج لندن»، تبين أن مشاهدة التلفزيون لأكثر من ثلاث ساعات ونصف يومياً، يؤثر سلباً على قوة الذاكرة بين أفراد هذه الطائفة العمرية، وخصوصاً ما يعرف بالذاكرة اللفظية، أي معاني الألفاظ، وأسماء الأشياء، والقدرة على استخدام المترادفات، مثل هذا التأثير كانت قد أظهرته دراسات أخرى، ولكن على القدرات اللغوية للأطفال في السنوات الأولى من عمرهم، وخلال المراحل اللاحقة من حياته.