واقعة حفل الزفاف العائلي في الدولة، التي أدت إلى إصابة عشرين من الحضور بفيروس «كوفيد-19»، تمثل جرس إنذار يجب أن ننصت إليه بإمعان، ولا نتركه يمضي مثل غيره من الحوادث، دون أن نتوقف عند سلوكيات لا يقتصر ضررها على من يُقدِمون عليها، بل يمتد إلى محيط واسع ممن حولهم، وإلى الدولة بأسرها. 
لقد انتشرت خلال فترة استشراء فيروس «كوفيد-19» على مستوى العالم، قصة «المريضة 31» في كوريا الجنوبية، وهي سيدة من مدينة تدعى دايجو، راجعت مستشفى بالمدينة، إثر حادث عرضي، وهي تعاني ارتفاعاً في درجة الحرارة، وعرض عليها الأطباء إجراء فحص للكشف عما إذا كانت مصابة بالفيروس، لكنها رفضت وخرجت من المستشفى لتمارس حياتها، دون اكتراث. وحضرت السيدة مناسبتين دينيتين حاشدتين، وشاركت في أنشطة اجتماعية أخرى، قبل أن يظهر أنها مصابة بالفيروس. وجعل هذا السلوك من مدينة دايجو بؤرة للمرض، واتضح أن السيدة مسؤولة عن نقل الفيروس إلى 80% من الحالات التي شهدتها المدينة.
هذا الدرس وغيره كان واضحاً للمسؤولين في دولة الإمارات العربية المتحدة، الذين كرَّسوا جهودهم في وقت مبكِّر جداً من بداية الأزمة لقطع كل الطرق أمام انتشار المرض. واستنفرت الدولة طاقاتها لتوفر لمواطنيها والمقيمين على أرضها أعلى مستوى ممكن من الحماية، ولم تُقصِّر في إطلاق حملات التوعية عبر القنوات المتاحة، وباستخدام كل الوسائل التي تضمن تدفق المعلومات عن طرق الوقاية وأساليبها، لتصل إلى كل فرد على أرض الدولة. وبرغم ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية وإجراءات الوقاية، كانت الدولة حريصة على إيصال الخدمات الصحية إلى البيوت ومعسكرات العمال، فليس أغلى من الروح الإنسانية، أو أثمن من حياة الإنسان التي تعلو على كل الاعتبارات.
هذه الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة ومؤسساتها وقيادتها الرشيدة، تبقى مُهدَّدة إذا لم يكن الأفراد على مستوى المسؤولية. وللأسف، فإن من لا يكترثون بإجراءات الوقاية التي أصبحت معروفة للجميع، لا يقيمون وزناً لحياة آبائهم وإخوتهم وأبنائهم وزملائهم ومخالطيهم الذين يمكن أن تكون إصابة بعضهم بالمرض تهديداً لأرواحهم، ولا لجهد عشرات الآلاف من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي الذين يصلون الليل بالنهار لمواجهة الجائحة، مُتحمِّلين أعباءً تفوق طاقة البشر، ولا للنزيف الاقتصادي والخسائر السياسية والمجتمعية التي تترتب على منح الفيروس فرصة لمواصلة الانتشار.
إن الالتزام بالتعليمات الوقائية لا ينطوي على مشقة، فارتداء الكمامة، والحفاظ على قواعد التباعد الاجتماعي، وتجنب التجمعات التي لا ضرورة لها، وتعقيم اليدين، والمبادرة إلى إجراء الفحوص التي توفرها الدولة عند أي اشتباه، كلها ليست أموراً صعبة. وقد بدأت قصة حفل الزفاف المؤلمة مع مشاركة أحد أفراد الأسرة في تقديم العزاء، ليصاب بالفيروس دون أن تظهر عليه الأعراض، ثم انتقل المرض من المصاب خلال حفل العرس العائلي إلى أفراد الأسرة والجيران الذين شاركوا فيه. وفي الحالتين، كان يمكن أداء الواجب والتعبير عن التآزر والمشاركة عبر وسائل بديلة، لكن التهاون قاد إلى وقوع المأساة.
إن «عُرس كورونا» جدير بأن يدفعنا إلى إعادة التفكير في أسلوب تعاملنا مع الإجراءات الوقائية المطلوبة، وإلى إعادة تعريف كل فرد على أرض الدولة بواجبه ودوره الإيجابي المطلوب، الذي لا يقتصر على التزامه الشخصي، بل يتعدى ذلك إلى توعية الأهل والأسرة والأصدقاء والدائرة المجتمعية القريبة بخطورة أي خرق لتعليمات الحماية والوقاية من المرض، ورفض المشاركة في أي نشاط أو سلوك من شأنه أن يهدد المجتمع. كما أن الحاجة ملحة إلى الحسم والحزم في تطبيق القوانين والتشريعات الرادعة على من يستهينون بالأرواح، ويسهمون بأي صورة في تفاقم الأزمة وإطالة أمدها، وما يترتب على ذلك من تبعات.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية